وفي عَامِ 456 هـ , أَرسَلَ السُّلطَانُ "سَنجَر" أَحَدَ أُمَرَائِهِ, الأَمِيرُ "قَجَق" عَلَى رَأسِ جَيشٍ كَبِيرٍ إِلى قَلعَةِ "طُرَيثِيثَ" فَأَغَارَ عَليهَا وَأَحرَقَ مَسَاكِنَهَا وَسَبَى مَا وَقَعَ عَليهِ يَدَيهِ, وَفَعَلَ بهِم الأَفَاعِيلَ العَظِيمَةَ, ثُمَّ عَادَ سَالِمَاً.
وَأَمَّا في عَهدِ السُّلطَانِ "مُحَمَّدٌ السَّلجُوقِيَّ", وَالذِي عُرِفَ بِغِيرَتِهِ الدِّينِيَّةِ وَجِهَادِهِ في سَبِيلِ اللهِ, وَتَفَانِيهِ في نَشرِ المَذهَبِ السُّنِّيِّ, وَالقَضَاءِ عَلى دِينِ الرَّافِضَةِ والفِكرِ البَاطِنِيِّ, فَقَد أَدرَكَ مُنذُ تَوَليهِ السُّلطَةَ أَنَّهُ لا يُمكِن أَن تَسلَمَ بِلادُ المُسلِمِينَ وَيَعلُوهَا دِينُ اللهِ إِلا بِالقَضَاءِ أَوَّلاً عَلَى البَاطِنِيَّةِ وَهَدمِ مَعَاقِلِهِم, وَأَنَّ مِن أَهَمِّ الأَعمَالِ التِي يَجِبُ عَليهِ القِيَامُ بهَا هُوَ القَضَاءُ عَليهِم, فَكَانَ مِن أَهَمِّ أَعمَالِهِ التي قَامَ بهَا؛ إِرسَالُهُ حَملَةً عَسكَرِيَّةً بِقِيَادَةِ الأَمِيرِ "آق سَنقر" لِمُحَاصَرَةِ قَلعَةِ "تَكرِيتَ" البَاطِنِيَّةَ, ثُمَّ قَامَ بِالقَبضِ عَلى وَزِيرِهِ "أَبي المَحَاسِنِ الآبِيِّ" لِتَوَاطُئِهِ مَعَ البَاطِنِيَّةِ, وَتَقدِيمِهِ العَونَ وَالدَّعمَ لهُم, الأَمرُ الذِي تَسَبَّبَ في تَأخِيرِ سُقُوطِ قَلعَةِ "أَصبَهَان"؛ فَعَاقَبَهُ وَأَربَعَةً مِن أَعوَانِهِ فَقَتَلَهُم ثُمَّ صَلَبَهُم عَلى بَابِ "أَصبَهَان", وَقَامَ بِمُحَاصَرَةِ قَلعَةِ "أَصبَهَانَ" بِنَفسِهِ؛ حَيثُ سَارَ إِليهَا عَلَى رَأسِ جَيشٍ كَبِيرٍ بَعدَ أَن كَثُرَ بِهَا أَذَى البَاطِنِيَّةِ, حَتَّى أَنَّ دَاعِيَهُم زَعِيمُ البَاطِنِيَّةِ "أَحمدٌ بنُ عَطَّاشٍ" الذِي كَانَ يُرسِلُ أَتبَاعَهُ مِنهَا لِقَطعِ الطَّرِيقِ عَلى النَّاسِ فَيَقتُلَ الأَبرِيَاءَ, وَيَنهَبَ الأَموَالَ مُستَحِلِّينَ تِلكَ النُّفُوسِ وَالأَموَالِ بِدِينِهِم, حَتَّى أَنَّهُم جَعَلُوا عَلى القُرَى المُجَاوِرَةِ لَهُ وأَملاكَ النَّاسِ الضَّرَائِبَ التِي تُجبَى مُقَابِلَ أَن يَكُفُّوا بَأسَهُم عَنهَا. (?)
َحَاصَرَهُم السُّلطَانُ "مُحَمَّدٌ" في هَذِهِ القَلعَةِ لمُدَّةِ أَربَعَةِ أَشهُرٍ, وَأَثنَاءَ الحِصَارِ؛ لجِئُوا إِلى حِيلَةٍ خَبِيثَةٍ يَرومُونَ مِن خِلالهِا إِثَارَةَ البَلبَلَةِ وَالشُّبَهِ حَولَ مَوقِفِ السُّلطَانِ "مُحَمَّد" مِن قِتَالهِم ... تمَامًا كَمَا هُوَ حَالُهُم اليَومَ مِنَ المُجَاهِدِينَ, وَتَمَامًا كَمَا هُوَ مَوقِفُ مَن يَدَّعُونَ العِلمَ مِن مَشَايِخِ الفَضَائِيَّاتِ؛ فَأَرسَلُوا لِفُقَهَاءِ المُسلِمِينَ يَستَفتُونهُم بِطَرِيقَةٍ مُلتَوِيَةٍ في قَومٍ يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَاليَومِ الآخِرِ, وَلكِن يُخَالِفُونَ في الإِمَامِ؛ هَل يَجُوزُ لِلسُّلطَانِ مُهَادَنَتِهِم وَمُوَادَعَتِهِم, وَأَن يَقبَلَ طَاعَتَهُم, وَيَحرُسَهُم مِن كُلِّ أَذَى؟