قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَالرَّافِضَةُ تَجْعَلُ هَذَا مِنْ أُصُولِ دِينِهَا وَتُسَمِّيِهِ التَّقِيَّةَ، وَتَحْكِي هَذَا عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَحْكُوا. عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ: التَّقِيَّةُ دِينِي وَدِينُ آبَائِي.
وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صِدْقًا وَتَحْقِيقًا لِلْإِيمَانِ، وَكَانَ دِينُهُمُ التَّقْوَى لَا التَّقِيَّةَ.
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] إِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالِاتِّقَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ. لَا الْأَمْرُ. بِالنِّفَاقِ وَالْكَذِبِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، لَكِنْ لَمْ يُكْرِهْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى شَيْءٍ [مِنْ ذَلِكَ]، حَتَّى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]: لَمْ يُكْرِهْ أَحَدًا لَا مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى مُبَايَعَتِهِ، فَضْلًا أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ يُظْهِرُونَ ذِكْرَ. فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ وَالتَّرَحُّمَ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُكْرِهُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.
وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ خَلْقٌ عَظِيمٌ. دُونَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى يَكْرَهُونَ مِنْهُمْ أَشْيَاءَ وَلَا يَمْدَحُونَهُمْ وَلَا يَثْنُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَرِّبُونَهُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ يَخَافُونَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ يُكْرِهُونَهُمْ، مَعَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ [الرَّاشِدِينَ]. كَانُوا بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ أَبْعَدَ عَنْ قَهْرِ النَّاسِ وَعُقُوبَتِهِمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ النَّاسُ مَعَ هَؤُلَاءِ مُكْرَهِينَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ مُكْرَهِينَ مَعَ الْخُلَفَاءِ عَلَى ذَلِكَ ; بَلْ عَلَى الْكَذِبِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَإِظْهَارِ الْكُفْرِ - كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَهُمْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ؟.