ومِنْ سَاحِلِ الشّامِ إِلى الدِّيَارِ المِصْرِيّةِ عَلَى شَيءٍ يَبْذُلُونَهُ لَهُمْ مِنَ المَالِ والبِلادِ، فِإِذَا قَصَدُوا البِلادَ وخَرَجَ إِلَيْهِمْ صَلاحُ الدِّيْنِ لمِقَاتَلَتِهم ثَارُوا هُمْ مِنَ الدَّاخِلِ فِيْ القَاهِرَةِ ومِصْرَ وأَعَادُوا الدَّوْلَةَ الفَاطِمِيَّةَ، ولَكِنْ مِنْ لُطْفِ اللهِ تَعَالَى بِأُمّةِ الإِسْلامِ أَنْ كُشِفَ مُخَطّطَهُم قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ حَيْثُ كَانَ مِنْ ضِمْنِ مَنْ أَدْخَلَوهُ مَعَهُمْ فِيْ المُؤَامَرَةِ وأَطْلَعُوهُ عَلَى خَبِيْئَتِهِم الأمَيرُ زَيْنُ الدِّيْنِ عَليّ بنُ الوَاعِظِ الذِيْ أَبَتْ نَفْسُهُ أَن تَقْبَلَ بِهَذِهِ الدّنِيْئِة، وهَذِهِ الخَيَانَةُ فَأَخْبَرَ صَلاحَ الدّينِ بِمَا تَعَاقَدَ عَلَيه القَوْمُ فَكَافَأهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَدْعَاهُمْ وَاحَداً وَاحَدا، وقَرَّرَهُم بِذَلِكَ فَأقرُّوا ثُمَّ اعْتَقَلَهُم واسَتَفْتَى الفُقَهَاءَ فِيْ أَمْرِهِمْ فَأفتُوهُ بِقَتْلِهِم، فَقَتَل رُؤوسَهُم وأَعْيَانَهُم وعَفَى عَنْ أَتْبَاعِهِم وغُلْمَانِهِم وأَمَر بِنَفْيِ مَنْ بَقِيَ مِنْ جَيْشِ العُبَيْدِيينَ إِلَى أَقْصَى البِلاد.

وبِذَلِكَ تَكُوْنُ مِصَر قَدْ بَدَأتْ صَفْحَةً مُنِيْرَةً مِنْ تَارِيْخِِها، إِذْ أَعَادَ صَلاحُ الدِّيْنِ البَلادَ إِلَى المَذْهَبِ السُّنّي مِنْ جَدِيد وأَرْجَعَ تَبَعِيَّتَهَا للدّوْلَةِ العَبّاسِيّةِ ثُمّ رَاحَ يُرَتّبُ صُفُوفَهُ مِنْ جَديدٍ ولولا مُشَاغَلَةُ الرّافِضَةِ لَهُ ومُحَاوَلَاتَهُم العَدِيدَةَ فِيْ تَدْبِيرِ المُؤْامَرَاتِ لاغْتِيَالِه لمَا تَأخّرَ بَعْدَ ذلَكَ النّصْرُ الكَبِيرُ لِلأمّةِ الإِسْلامِيّةِ إلى عَامِ خمسمائة وثَلاثةٍ وثَمَانِينَ للهِجْرَةِ حَيْثُ انْشَغَلَ صَلاحُ الدّيْنِ بِقِتَالِ الرّافِضَةِ ولمَّا تَمَكّنَ مِنَ القَضَاءِ عَلَيَهِمْ كَدَولَةٍ وكَقُوّةٍ اسْتَطَاعَ بَعْدَهَا أَنْ يَتَفرَّغَ لِقِتَالِ الصّليبيينَ، ومِنْ ثَمَّ اسْتِعَادَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ مِنْ أَيْدِيهِمْ فِيْ مَوْقِعَةِ "حِطّيْنَ" الفَاصِلَةِ ولِهَذَا كُلَّه فِإِنّ شَخْصِيةَ صَلاحِ الدّيْنِ رَحِمَهُ الله تَعَالى بِقَدْرِ مَا هِي تُمَثّلُ الرَّمْزَ النّاصِرَ لِدِينِ اللهِ والمُجِدِّدَ لعِزّ هَذِهِ الأمّةِ عِنْدَ أَهْلِ السّنةِ .. بِقْدرِ مَا تَغِيظَ مِنْهَا رُؤُوسُ الرّافِضَةِ وبِقَدْرِ مَا يُبغِضُونَ هَذِهِ الشّخْصِيّة.

••••••••••••

طور بواسطة نورين ميديا © 2015