وأمّا في عَهْدِ الدّوْلَةِ الأُمَوِيّةِ الّذِيْنَ اسْتَمَرّ حُكمُهُم مِنْ 41 الى 132 للهجرة. فَلَقد بَرَزَتْ خِيَانَاتُهُم فِيْ جَانِبِهَا السِّيَاسي أَكْثَر مِنَ الجَانِبِ العَقَدِي، ذَلِكَ لأنّهُم يَعلَمُونَ أَنّهُ مَتَى كَانَ للمُسْلِمِينَ خَلِيْفَةٌ مُسْلِمٌ يُحْسِنُ حِرَاسَةَ دِيْنِهِم وسِيَاسَةَ دُنْيَاهُم فَإِنّه لَنْ يَكُونَ للجَانِبِ العَقَدِيِّ أَيُّ أَثَرٍ يُذْكَر، لأنّه سَاعٍ في قَمْعِ وإِخْمَادِ كُلِّ فتنةٍ وشُبْهَة. فَكَانَ لا بُدّّ لَهُم فِيْ هَذِهِ المَرْحَلَةِ مِنْ التّرْكِيْزِ والاهْتِمَامِ أَوّلاً وبِشَكلٍ أَكْبَر عَلى خَلخَلَةِ الجانِبِ السّياسِيِّ والتّي مِنْ خِلالها يَتَخَلخَلُ الدِّيْن. فَرَاحُوْا يَسْتَثِيْرُونَ حَمِيّة الحُسَيْنِ بنِ عَلي رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَلَى دِيْنِه بِأَخْبَارٍ ورِوَايَاتٍ مُبَالَغٍ فِيْهَا ومَكذوبَةٍ عَنْ يَزِيْدَ بِن مُعَاوِيَة مِن أنّه ظَلَمَ الخلقَ وعَطَّلَ الشَّريعَةَ الحَقّةَ حتّى بادَرَ بِإِرْسَالِ ابْنِ عَمِّه مُسلمٍ بنِ عَقيل ليَتَحقَّقَ الأَمْر، ومَا إِنْ وَصَلَ وعَلِمَ بِهِ أَهلُ الكُوفَةِ حَتّى سَارَعُوا إِليْه، فَأَخَذَ البيعَةَ مِنْهُمْ ثمّ أَرَسَلَ بِبَيعَةِ أَهلِ الكُوْفَةِ إِلَى الحُسين.
فَلَمَّا عَلِمَ وَالِيْ الكُوْفَة عُبَيدُ الله بنُ زِيَاد بِأَمرِ البَيعَةِ جَاء فقَتَلَ مُسلِماً بِن عَقِيل كَمَا قَتَلَ مُضِيفَه هَانِئَ بن عُروةَ المُرادِيّ على مَرْأَى ومَسْمَع مِنْ شِيْعَة أَهْلِ الكَوْفَةِ الذّينَ كَانُوا للتَّو مُبَايِعِينَ ومُتَحَمِّسِين ومُحَمِّسِين للبَيْعَة.
وَمَعَ ذلِك فَلَم يُحَرِكُوا سَاكِناً لِلدِِفاعِ عَنْ مُسلِم وَلا عَنْ هانِئ بَعدَ إن اشتِرى عُبيدُ اللهِ ابنَ زِياد ذِمَمَهُم بِالأَموال.
فَلَيّتَ شِعري أيُّ عَهد، بَلّ أيُّ بَيعَةٍ هذِهْ الّلتي نَقَضُوها قَبلَ أن يُقِيمُوها, وَلَيّتَ شِعري أيُ تاريخٍ هَذا الَّلذي يُسَطِرَ خِيانَةَ القَومِ لِيُعيدَ نَفسَه كَما هُوَ فِي أيَّامِنا هذِه, فَهذِهِ الذِمَمَ أَرخَصُ ماتَكُون عِندَ أَصحابِ الرَّفضِ فِي هذِهِ الأَيّام كَما فِي سالِفِها حَتى أنَّهُم لَيَبِيعُونَها بِثَمَنٍ بَخسٍ دَراهِمَ مَعدُودَه, نَقُولُ مَعَ هذا كُلّهِ أَبى الحُسَين رَضِيَ الله عَنه إلاَّ أن هَرَعَ لِنَجدَتِهِم على ما ادَعَوهُ مِن وُقوعِ الظُلمِ بِهِم وإستِباحَة الحُرُمات وَتَعطيلِ الحُدود مِن قِبَلِ عُمَّالَ يَزيدٍ بنَ مُعاوِيَه وإرسالِهِم بِالبَيعَةِ لَه فَخَرَجَ على قِلَّةٍ مِن أَصحِابِهِ المُتابِعِين وَكَثرةٍ منَِ المُحَذِرينَ لَهُ مِن عَدَمِ الخُروج وَبِما حَصَلَ لِلأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِن غَدرَتِهِم مُذَكِرين وَلكِن أَبَى