وتَنصِيبَ آخَر، بَلْ أَرَادَ أَنْ يَفْتِنَ المُسْلِمِينَ ويُلَبِّسَ عَلِيهِم دِيْنَهُم، فَاسْتَمرَّ يَحِيكُ المُؤامَرات، ويَفتِلُ حَبَائِلَهَا حَتّى فِي زَمَنِ أَمِيْر المُؤْمِنِينَ عَليّ بُنِ أَبي طَالِب رَضِيَ الله عَنْهُ. فَبَعْدَ أنْ كَادَتْ تَخْمد فِتْنَةُ "وَقْعَة الجَمَل" ويَصْطَلِحَ الفَرِيقَانِ ويُسَلِّمُوْنَ لأمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِي، وإذَا بِهِ وبِأَتْبَاعِهِ يَغدِرُوُن ويُّصِرّوْنَ عَلَى قِتَالِ المُسْلِمِين. فَيَهْجُمُونَ عَلَى أَصْحَابِ "الجَمَل" ويَبْدَأونَ بِقِتَالِهِم لِيُوقِعُوا الحَرْبَ التِي كَادَتْ أَنْ تَنْطَفِئَ دُونَ قِتال. لَيْسَ هَذَا فَحَسْب، بَلْ إنّ الذّينَ أَظهَرُوْا تَشَيُّعَهُم لأمِيْر المؤمنينَ عَليٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيْ ذَلِكَ الوَقْت، وطَلَبُوا مِنْهُ الخُرُوْجَ إِلى العِرَاقِ وتَحْوِيْلَ عَاصِمَةَ الخِلافَةِ إلَى الكُوْفَةِ خَذَلُوهُ وتَخَلّوا عَنْه مِرَارَاً. فَحِين عَزَمَ عَلى الخُرُوجِ إلى أَهْلِ الشَّام، ليُمسِكَ بِزِمَامِ أُمُوْرِ المُسْلِمِينَ حَتَّى لا تَكُونَ فُرقَةٌ واخْتِلافٌ ولِتتَوحَّد كَلِمَةُ المُسْلِمِيْن، تَسَلّلوا مِنْ مُعَسْكَرِهِ دُوْنَ عِلْمِهِ عَائِدِينَ إِلَى بُيُوتِهِم، حَتَّى بَاتَ مُعسْكَرَهُ خَالِياً. حَتّى قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيهِم: "مَا أَنْتُم إلا أُسُوْدُ الشَّرَى في الدَّعَة، وثَعَالبٌ رَوَّاغَةٌ حِين تُدْعَوْن إلى بَأْس، وَمَا أَنْتُم لِيْ بِثِقَة". حتّى قال: "وما أنتم برَكْبٍ ُيصَال بكم، ولا ذي عزٍّ يُعتَصَم إليه. لَعَمرُ الله لَبَأْسَ حَشَاشُ الحَرْبِ أَنْتُم. إِنّكُم تُكَادُونَ ولا تَكِيْدُوْن، وتُنتَقَصُ أَطْرَافُكُم ولا تَتَحَاشَون". (?)
وخَانُوُهُ كَذَلِكَ وخَذَلُوْهُ تَارَةً أُخْرَى لَمَّا أَقْدَمَتْ جُيُوشُ خَالِ المؤْمِنِين رُغْمَ أَنْفِ الرَّافِضَة، مُعَاوِيةَ رَضِيَ الله عَنْهُ مُتَوَجِّهة لِعَيْنِ التَّمْرِ مِنْ أَطْرَافِ العِرَاْق. فَاسْتَنْهَضَهُم للدِّفَاعِ عَنْ أَرضِ العِرَاقِ فَلَمْ يُجِيبُوْه. حَتّى قَالَ فِيْهِم: " يَا أَهلَ الكُوْفَة، كُلّما سَمِعْتُم بِمَنْسِرٍ من مَناسِرِ أَهْل الشَّامِ انْجَحَرَ كُلُّ امْرئٍ مِنْكُمْ فِيْ بَيْتِه، وأَغْلَقَ بَابَهُ انْجِحَارَ الضَّبِّ فِيْ جُحْرِهِ والضّبعِ في وَزَارِهَا، المَغْرُورُ مَن غَرَرْتُمُوه، ولِمَن فَازَ بِكُمَ فَازَ بِالسَّهْمِ الأَخْيَبْ. لا أَحْرَارٌ عِنْدَ النِّدَاء، ولا إِخوانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النَّجَاة. إِنّا للهِ وإنّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْن" (?).
ولمّا رَأَى ذَلِكَ اليَهُودِيُّ الرّافِضيُّ أنَّ الأمُورَ السّياسِيّةَ فِي البِلادِ صَارَتْ كَمَا خَطّطَّ لَهَا، لَمْ يَكْتَفيْ بِذَلِك. فَأرَادَ أَنْ يَهدِمَ مِن الدِّيْنِ جَانِبَهُ الأَصِيلُ حَتَّى لا يَكُونَ للمُسْلِمِينَ