وتلك عقبى الإفراط، ونمرة الإسراف، وإنما كان يقول الشاعر في هذا الفن: البيت أو البيتين في القصيدة، وربما قرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت "بديع"، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى نادراً، ويزداد خطوة بين الكلام المرسل (?).
وعلى هذا فإن أول من وضع هذا الاسم المحسنات الكلام إنما هو عبد الله بن المعتز، بتصنيفه كتاب (البديع)، وهو - وإن لم يقصد بهذه التسمية ما قصده المتأخرون من البلاغيين -كالخطيب القزويني - إذا جعلها شاملة للجديد والمخترع -إلا أنه جعل أنواع البديع خمسة، وهي: الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، ورد الإعجاز على ما تقدمها، والمذهب الكلامي ثم أتبعها بذكر بعض محاسن الكلام والشعر، فعد منها ثلاثة عشر نوعاً.
على أن عبد الله بن المعتز -وإن لم يكن مقصده من كتابه هو وضع المعيار الحقيقي للشاعر في نظمه، أو الأديب في نثره، بل كان مقصده، هو الرد على من يلهجون باستخدام البديع أنه أصيل في اللغة العربية - إلا أنه كان شاعراً حساساً، يعرف ما الفنون البديع من أثر في نفوس السامعين، ولكنه -في الوقت نفسه - كان يعيب الإكثار منها، والإفراط في تتبعها، ويفهم من هذا: أن معيار الجودة عنده: إنما هو بحسن موقع هذه الألوان البديعية موقعها من الكلام، وإنما