والفكر العميق، ولكنه لم يستسغ إغراق الشعر في الفلسفة، أو التعمق في استخراج المعاني، كما كان يصنع أبو تمام، ولم يكن كذلك يكثر من استخدام البديع كما كان يكثر أبو تمام.
وبهذا ظهر البحتري ممثلاً لمذهب القدماء في الشعر، كما ظهر أبو تمام ممثلاً لمذهب المجددين فيه.
وقد تعرض أبو تمام لحملات عنيفة من اللغويين المحافظين، وأصحاب البلاغة العربية الخالصة.
وها هو عبد الله بن المعتز يتجرد - في سنة 274 هـ - للدفاع عن اللغويين، والرد على المتفلسفة، بتأليف كتابه: (البديع) معلناً غايته منذ السطور الأولى من كتابه، وهي: أن يثبت للمحدثين ممن يجرون وراء الفلسفة، ويتكلفون استخدام البديع، أنهم لم يخترعوا البديع الذين يلهجون به، فيقول: "قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة، وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسلم - وكلام الصحابة، والإعراب وغيرهم، وأشعار المتقدمين، ، من الكلام الذي سماه المحدثون (البديع) ليعلم أن بشاراً، ومسلماً، وأبا نواس، ومن تقيلهم، وسلك سبيلهم، لم يسبقوا إلى هذا الفن ولكن كنز في أشعارهم، فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم، فأعرب عنه ودل عليه، ثم أن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه، وتفرغ عليه، وأكثر بنيه، فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض،