ولم يزل عند حول هذه المسألة من الوقفات التي أسد بها ثغراتها، وأزيل عنها شبهاتها، وأفسر مقصود البخاري بقوله: «فيه نظر»: على اختلاف دلالاتها من خلال واقع استخدامها، وما هي مرتبة هذه اللفظة على التعيين؟ وغير ذلك مما هو من لوازم الدراسة العلمية المنضبطة، التي لا تستجيز العجلة، بل لا تطمئن إلى النتيجة إلا بعد سد الثغرات والإجابة عن كل اعتراض محتمل بجواب صحيح، لأن بقاء ثغرة واحدة أو قيام إشكال واحد قد يكون في حقيقته ناقضاً صحيحاً وارداً وجيهاً عمّا كنت قد تبنيته، فلابد من دراسة ذلك كله بصدق وأمانة» (?).
ومن خلال تراجم الرجال الذين قال فيهم البخاري: «نجدهم ضعفاء جداً في الغالب، متكلم فيهم بجرح صريح، منع من قبول روايته، إذ يجد الباحث أن أغلب من وصفهم البخاري بـ «فيه نظر» أن أئمة الجرح والتعديل قد جرحوهم شديداً، وحتى الأئمة الذين نسب إليهم القول أنهم فسروا تلك العبارة بالجرح الخفيف كابن عدي- مثلاً- جرحوهم بشدة، وعلى سبيل المثال:
جاء في ترجمة: عبد الحكيم بن منصور الخزاعي الواسطي: قال البخاري: «كذبه بعضهم فيه نظر»، وضعفه ابن معين، وقال مرة: كذبه وتركه، وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، وضعفه أبو داود وابن سعد، وتركه النسائي والدارقطني وابن حجر، وقال ابن عدي: له أحاديث لا يتابع عليها، وقال ابن حبان: كان شيخاً مغفلاً يحدث بما لا يعلم لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال الحاكم: ذاهب الحديث، وقال الذهبي: تركوه.
وجاء في ترجمة: حسين بن حسن الفرازي الأشقر: قال البخاري: «فيه نظر». وقال مرة: عنده مناكير، ومرة: مقارب الحديث، وقال يحيى بن معين: لا بأس به، وأورده ابن حبان في الثقات، وقال أحمد بن حنبل: ليس بأهل أن يحدث عنه، وقال أبو زرعة: هو شيخ منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، ومثله قال النسائي والدارقطني، وقال الجوزجاني: كان غالياً من الشتامين للخيرة، وأورده ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي بعد أن استنكر له أحاديث: والبلاء فيها من الأشقر، ثم قال: في حديثه بعض ما فيه، وقال العقيلي بعد أن ذكر له حديثاً: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه.