القول الثاني: قالوا أنه نجس، إذا اغتسل الجنب في الماء الدائم أن ذلك يدل على نجاسته، فلا يشرب ولا يطبخ به ولا يغتسل به، ولا يتوضأ به من باب أولى.
وهو قول ابي حنيفه وهذه كما ذكرنا رواية لإمام أحمد، وقد تأولها بعض الأصحاب كأبي يعلى الحنبلي، وابن عقيل وغيره وهي رواية بعيدة عنه عليه رحمة الله، ولعل فهم بعض الأصحاب قول أحمد على غير وجهه فحكوه على أن الماء إذا اغتسل فيه الجنب بنجس، وإلا ففقه الإمام أحمد عليه رحمة الله هو أبعد من ذلك.
القول الثالث: قالوا أن الماء إذا اغتسل فيه الجنب أنه باقٍ على طهوريته، وأنه طاهر مطهِّر، وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم، فقد روي عن سفيان الثوري وكذا مالك بن أنس والشافعي واحمد، وعليه المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، فقالوا: أن الماء إذا اغتسل فيه الجنب باقٍ على أصله ولا ينتقل من أصله إلا بدليل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اغتسال الجنب في الماء الدائم ليس بمتعلق بطهارة الماء أو نجاسته بعد الاغتسال منه، ولكن لعلّة: إما أن تكون تأديب من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو منع من الغسل في الدائم لكي لا يتهاون المرء بالاغتسال فيه على أي حال فيسفد معه الماء بتغير أوصافه أو غير ذلك مما تخفى حكمته، ولا يقال بنجاسة الماء ونقله من أصله إلا بدليل أو علة ظاهرة قد نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قوله: وللبخاري: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» .
هذه الرواية التي أخرجها البخاري عليه رحمة الله قال: حدثنا أبو اليمان قال اخبرنا شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وفيه قوله: «ثم يغتسل فيه» :