لا ينظم إلا الشعر الباكي؟ ما دروا أن هذا الشعر قد نُظمت حبّاته على قبر الوالدين في ليالي اليتم الكوالح.
مساكين الأدباء؛ يجبلون فلذات قلوبهم بدموع عيونهم ليقيموا منها تماثيل الأدب، فيأخذها الناس عابثين، وينظرون إليها لاهين، ويعيبونها ظالمين، ثم يملّونها كما يملُّ الصبي لعبته فيرمونها فيَحْطِمونها ويفتّشون عن لعبة جديدة!
مساكين الأدباء!
* * *
يا سادة:
لقد مشيت -بعدُ- في الزمان، وسحت في البلدان، فكبرت ورأيت أياماً قال (التقويم) إنها أيام عيد، رأيتها في دمشق بلدي، ورأيتها في الأعظمية في بغداد، ورأيتها في البصرة ذات الشط والنخيل، وفي الحرش من بيروت، وفي القاهرة أم الدنيا ... ولكني لم أعد أجد في ذلك كله تلك البهجةَ التي كانت للصّرماية الحمراء والعقال المقصَّب، والعربة ذات الشراع الأحمر والجلاجل، والثياب الملونة الزاهية التي تحكي زهر الربيع.
أفتغيرت الدنيا أم قد أضعتُ عيدي؟
أتغيرت الدنيا يا ناس، أم الناس قد فقدوا فرحة العيش حينما تركوا تلك الحياة السمحة القانعة الطاهرة المبرّأة من أدران حضارة الغرب؟