قلت: للمدرسة مع أمان؟
فأشرق وجهه وسكت، وقال: لوح دسه أمان.
قلت: وتبكي من أجل المدرسة؟! اقعد هنا أحسن، بلا مدرسة.
فلما سمع ذلك صرخ من كلمتي صرخةَ مَن قرصته نحلة، وعاد يبكي ويعول. فهدأته ووعدته حتى سكت، وجعلت أعجب منه إذ يبكي شوقاً إلى المدرسة، وأذكر كيف كنا نبكي نحن خوفاً منها وكرهاً لها.
* * *
وكرّت بي الذكرى إلى سنة 1914، إلى أول خَطب من خطوب الدهر نزل بي. لا أعني الحرب العامة فلم تكن الحرب قد أعلنت، وما كنت يومئذ لأفقه معنى الحرب أو أبالي بها، ولكن أعني ما هو أشدّ وأفظع، أشدّ عليّ أنا؛ ذلك هو أول دخولي المدرسة. لقد كان يوماً أسود لا تُمحى من نفسي ذكراه، ولا أزال إلى اليوم -كلما ذكرته- أتصوّر روعه وشدّته. لقد كرّهَ إليّ المدرسة وترك في نفسي من بغضها ذخيرة لا تنفد، ولقد صرت من بعد معلّماً في الابتدائية ومدرّساً في الثانوية وأستاذاً في الجامعة، وعلّمت الكبار والصغار، والبنين والبنات، وما ذهب من نفسي الضيق بالمدرسة والفرح بالخلاص منها، والأنس بيوم الخميس واستثقال يوم السبت، وما ذهبتُ إلى المدرسة مرّةً إلاّ تمنيت أن أجدها مغلقة أو أجد فيها إضراباً يعطل الدروس!