من حديث النفس (صفحة 48)

لقد أخذني جدّي معه ذلك اليوم إلى جامع التوبة (?) فصلّى الصبح ولبث حيناً، ثم أدخلني باباً يقابل الجامع. وكنت في ضياء الصباح وسنا الشمس، فلبثت في ذلك المكان دقائقَ وأنا لا أبصر ما فيه، ولكنّ أنفي لمس رائحته العفنة المنتنة ونشق هواءه الآسن. ثم أبصرت المكان، فإذا هو غرفة فسيحة فيها عشرات من الأولاد قاعدون على الأرض، يهتزون ويتمايلون، يحملون في أيديهم كتباً ينظرون فيها، ويصوّتون أصواتاً متنافرة كأنها دويّ النحل منقولاً من مكبر للصوت، وتحتهم دكة واطية من الخشب تنتهي قريباً من الباب، وأمامها أرض مكشوفة موحِلة قد صُفّت إلى جوانبها القباقيب، والى اليسار عجوز (?) مخيف على كرسيّ عال، بيده عصا طويلة يضرب بها الأولاد ينال بها من كان في آخر المكان.

هنالك تركني جدي؛ فما أغلق البابَ وراءه وذهب حتى أحسست كأن قلبي قد ذهب معه، وكأنْ قد أُغلق عليّ قبر، وعراني من الوحشة والفزع ما لا أزال أرتجف إلى الآن كلما ذكرته! هذه هي المدرسة التي كانت في أيامنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015