الموت إلاّ ظاهره دون حقيقته، نراه عدماً ونندب القريب والحبيب أنْ وضعناه في حفرة باردة وخلّفناه وحيداً تأكله الدود! وليس حبيبك الذي أودعته الحفرة ولكن جسده، والجسدُ ثوبٌ يُخلَع بالموت كما تخلع الحية ثوبها، فهل يبكي أحد على ثوبٍ خُلع؟
وما الموت إلاّ انتقال إلى حياة أرحب وأوسع، إلى النعيم الدائم أو الشقاء الطويل، ولو كان الموت فناء لكان نعمة.
ولو أنّا إذا متنا تُرِكنا ... لكانَ الموتُ راحةَ كلِّ حيِّ
ولكنّا إذا مِتْنا بُعثنا ... ونُسأَلُ بعدَها عن كلِّ شيِّ
فإذا كان الموت سفرة لا بدّ منها، فالعاقل من تهيّأ لها وأعدَّ لها الزاد والراحلة وذكرها دائماً كيلا ينساها، ونظر في كل شيء، فإن كان مما يستطيع أن يحمله فيها حرص عليه، وإن كان مجبراً على تركه وراءه زهد فيه وانصرف عنه.
وبعد، فلا يهنّئْني أحدٌ بالسلامة، بل ليدعُ لنفسه ولي بحسن الخاتمة، فإني أخاف -والله- ألاّ أجد ميتة أكون فيها حاضر القلب مع الله، مستشعراً التوبة، متصوراً الدار الآخرة، كما كنت هذه المرة.
* * *