بآجل موهوم". ويرى الناس يطيرون كل يوم فلا يفكر ويظن أنه وحده هو الباقي، حتى يجيء دوره فيُحمَل قسراً لا يملك دفعاً ولا منعاً، ويخسر ما كان له في الجزيرة ولا يلقى في أمريكا إلاّ جحيم الفقر والحاجة إلى الناس.
وطغى عليّ ألم الموت ولم يعد في طَوقي أن أفكر، فتوجهت إلى الله وتصورت كرمه وعفوه، وكان يغلب عليّ الأمل وحب الحياة فأضرب بيديّ ورجليّ وأرفع يميني أشير بها، ثم يدركني اليأس فأسلم أمري إلى الله. ولم أكن أتمنى بعد المغفرة إلاّ شيئاً واحداً؛ هو أن يخفف الله عني بتعجيل موتي، أخشى أن يطول بي هذا الألم فوق ما طال.
وقد خُيِّل إليّ أني بقيت على ذلك ساعات، ولكن تبين لي من بعد أني لم ألبث أكثر من دقيقتين ... في دقيقتين أحسست هذه الآلام ومرّت في ذهني هذه الخواطر! وهذا من العجائب التي أودعها الله النفس البشرية، فأنت ترى حلماً تعيش فيه عشرين سنة بأحداثها، ولا تكون قد نمت أكثر من خمس دقائق.
ثم لما خارت قواي وأوشكت أن أغوص فلا أطفو أبداً خُيِّل إليّ أني أسمع أصواتاً تناديني، وأحسست بيدي تمسّ شيئاً صلباً أدركت أنه طرف زورق، ففرحت فرحة ما فرحت قط مثلها، وشعرت أني أُرفع إلى الزورق، ثم غبت عن نفسي وهم يمسكون برجليّ لأخرج بعض ما في جوفي من ماء البحر.
لقد خرجت بنفس جديدة، واتّعظت موعظة أرجو أن تدوم لي، وعرفت قيمة الحياة وحقيقة الموت. ونحن لا نعرف مِن