من حديث النفس (صفحة 109)

إنه لا يستطيع أن يحمل اسمه، لا يقدر أن يتلقى بوجهه وجسمه هذا الإعجاب الذي يزعمون أنهم يوجّهونه إلى الشخص الآخر الذي ينشر في «الرسالة»، كأن له شخصيتين، فهذه التي يأكل بها ويشرب ويمشي ويضحك ويمزح غير تلك التي يفكر بها ويكتب ويؤلف، وليس بينهما من صلة ولا يربطهما سبب من الأسباب. والعجيب من أمره أنه يضيق بالكلام في مثل هذه المجالس ويتهيبه، وتظنه أول ما تلقاه حَييّاً عَييّاً لا يُفصح ولا يَبين، فإذا أنت اتصلت به وعلّقت حبالك بحباله رأيته مفوّهاً طَلْق اللسان شديد البيان، وإن أنت خالطته وعرفتَ دخيلته أبصرته لا يتهيب موقفاً خَطابياً مهما كان شأنه، ولا يخشاه ما يخشى الرد على ألفاظ المجاملة ويتهيب مجلس تعارف وانتساب.

* * *

كان يأمل أن يجد لذة في تدريس الأدب، ولكنه لم يكد يمارسه حتى اجتواه ومله، وعلم أن الاشتغال بالأدب للّذة لا يستقيم مع هذا العمل النظامي المستمر. إنه يصبح وفي رأسه فكرة يريد أن يكتب فيها فصلاً، فيدركه وقت المدرسة، فيذهب وتذهب الفكرة في طريقها. أو يصبح وهو يكره الكلام ويميل إلى الصمت، يحب أن يفكر فيطيل التفكير ويحلم فيغرق في الأحلام، فتراه ملزماً بالكلام خمس ساعات أو ستاً. وهو يحب الشاعر أو الكاتب ويميل إليه فيُكرهه المنهج على درس شاعر آخر لا يحبه ولا يفهم أدبه، ويضطره الطلاب إلى إطالة الحديث حين ينبغي له الإيجاز أو إيجازه حيث تُطلب الإطالة، أو لا يفهمونه ولا يسايرونه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015