وفي التعبير عمن نزلت في حقهم هذه الآيات في الموضعين بالموصول، الإيماء إلى تعليل الأمر بملازمتهم، وبما في حيز الصلة الداعية إلى إدامة الصحبة، أي لأنهم أحرياء بذلك لأجل إقبالهم على الله فهم الأجدر بالمقارنة والمصاحبة (?) ، وهم وإن كانوا عند أهل الكفر والنفاق مؤخرين فهم عند الملك الأعلى مقدمون، وقوله: (يريدون وجهه) فيهما، في موضع الحال من ضمير يدعون أي يدعونه تعالى مخلصين له الدين، والوجه في تقييده به تأكيد علِّيتِه للنهي في آية الأنعام (ولا تطرد) ، وللأمر في آية الكهف (واصبر نفسك) ، والإعلام بأن الإخلاص من أقوى موجبات الإكرام المضاد للطرد والحاضّ على الصبر، وفي التنوع بمجيئ العلة تارة بالنهي وتارة أخرى بالأمر، تأكيد على ملازمة من في حقهم نزلت هذه الآيات ومواصلتهم من قِبَل النبيّ بجميع الأوجه، وعليه فلا وجه لما ادعاه أبو حيان في البحر من أن آية الكهف أبلغ من التي في الأنعام.

ولا يسيئن أحد الظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن طاوع من أشار عليه بطردهم بقوله: نعم، وأن في طردهم ظلم، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما عين لجلوسهم وقتاً معيناً سوى الوقت الذي كان يحضر فيه أكابر قريش، وأن غرضه من الجلوس مع أولئك الأكابر هو إدخالهم في الإسلام حتى لا يفوتهم خير الدين والدنيا والآخرة فكان ترجيح هذا الجانب أولى، وأقصى ما يقال ان هذا كان اجتهاداً منه - صلى الله عليه وسلم - والخطأ في الاجتهاد مغفور والمخطئ فيه على أيّ حال مأجور.

وتبقى دلالة السياق على إفادة التعبير بالغداة والعشي للديمومة، سيما مع ما سبق من أن العرب تستعمل هذين اللفظين في التكنية عن هذا المعنى كما في قولهم: (إني آتيه بالغدايا والعشايا) ، ويريدون بذلك الاستدامة في فعل المجئ إليه.

مقام التذرع بالصبر والتسلية بأحوال السابقين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015