يقول الزمخشري بعد أن نص على أن التسبيح من جملة الذكر وأفصح عن حمل الأمر فيهما على ظاهره: "إنما اختصه من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل - يقصد في قوله تعالى (من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين.. البقرة/98) - ليبين فضله على سائر الأذكار لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال وتبرئته من القبائح" ويستطرد منوهاً عن مكانته وقائلاً: "ومثال فضله على غيره من الأذكار فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي، وبالطهر من أرجاس المآثم، على سائر أوصافه من كثرة الصلاة والصيام والتوفر على الطّاعات كلها والاشتمال على العلوم والاشتهار بالفضائل ا. هـ) (?) ، وهو في معنى ما ذكر.
ولعل الوجه في هذا العطف، وفي تخصيص الذكر المأمور به أولاً بالكثرة دون التسبيح، أنه "بتفسير الذكر الكثير بما يعم أغلب الأوقات لا تبقى حاجة إلى تعلق الظرفين المختصين بالفعل الأول" كذا ذكره الآلوسي (?) ، وبمثل ما ذكره تُلتمس العلة فيما دلت القرائن عليه، لا أن يضرب عنها وعن معلولها الصفح ويثني عنهما العِطف، وسيأتي الكلام - بمشيئة الله تعالى- عن معنى الذكر الكثير وعن فضله إبان حديثنا عن مقام الحث عليه بالمبحث الثالث.