ويتعين من خلال كل ما سبق من مقدمات جعل العطف في قوله (وسبحوه) على (واذكروا) "من عطف الخاص على العام اهتماماً بالخاص لأن معنى التسبيح، التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتحميد، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وكلمة (سبحان الله) يكثر أن تقال في مقام التبرؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد" (?) ، سيما إذا تعلق الأمر بسيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه.
والسر البلاغي في هذا العطف، عطف (وسبحوه) الخاص على (اذكروا) العام، الإشعار بالعناية بأمر الخاص وتعظيم شأنه وذلك بذكره مرتين، مرة مندرجاً تحت العام، ومرة بلفظه، ومثل هذا اللون من الإطناب الذي اقتضاه المقام واستدعاه السياق وجاء مطابقاً لمقتضى الحال، مطلوب وهو مما كثر وروده في القرآن، وحسبنا مما جاء فيه قول الله تعالى: (تنزل الملائكة والروح.. القدر/4) ، وقوله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى.. البقرة / 238) ، فذكْرُ جبريل معطوفاً على الملائكة على الرغم من دخوله في عداد المعطوف عليهم يؤذن بمزيد تكريم له وعظم شأن في حقه، وكأنه جنس آخر غير جنس الملائكة، وعطف الصلاة الوسطى وهي واحدة من الصلوات داخلة في عمومها يجيئ تنبيها إلى مزية المعطوف وزيادة فضله.. وهكذا دواليك.
الأمر الذي يعني شيوع هذا اللون من العطف في جيد الكلام وأبلغه كلما اقتضاه المقام ودعت إليه الأحوال.. فأنى لما جاء على صورته وورد على شاكلته أن يدّعى فيه نحو ما ادعاه الفخر الرازي من أنه من عطف الشيئ على نفسه، ويحكم عليه من ثمّ بعدم جوازه؟