فيها معالم للهدى ومصابح تجلوا الدجى والأخريات رجوم (?)

فإذا ما تقرر هذا – وهو متقرر بمشيئة الله تعالى – فإن الأليق لمعنى التسبيح في الآية الكريمة من سورة الفتح، أن يجعل المعنى فيه على ظاهره، وقد تنبه لهذا ونوه إليه الدامغاني (?) وله في ذلك حق فالمقام مقام تعجب والآية مدنية وليس فيها ما يدعو إلى القول بحثّ المؤمنين على صلاة بغداة أو عشيّ، وليس فيها كذلك ما يشير من قريب أو بعيد إلى تواقيت للصلاة على نحو ما سبق في آيات هود وطه والروم، وتأتي التسبيح فيها من المؤمنين للرسول - صلى الله عليه وسلم - في البكرة والأصيل أعني في الوقتين المخصصين لذلك فيما يجئ عادة لإفراد الله سبحانه بالتقديس إجلالاً وتعظيماً وتنزيهاً، أمر لا يقبله من له مسكة من عقل.

فلا جرم إذن والحال هكذا من جعل الأمر بالتسبيح بحمد الله مسوقاً لحث المؤمنين، والصحابة منهم على جهة الخصوص، على تنزيهه سبحانه والثناء عليه بماهو أهل، أنْ أرسل فيهم نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - شاهداً ومبشراً ونذيراً، و (إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.. آل عمران/164) ، وذلك يستلزم أن يكون التقدير في الآية والمعنى: أرسلناه إليكم لتؤمنوا به وتقوّوا من أزره وتعينوه على إظهار دينه على كل دين، وعلى مناصرة دعوته، وتمنعوا عنه كل ما يكيده - مبالغين في ذلك - باليد واللسان والسيف والجنان، وأن تؤثروه على أنفسكم ولا تجهروا له بالقول تعظيماً له وتفخيماً ولا تقدموا بين يديه، وأن تسبحوا من منّ به عليكم كل بكرة وكل عشية حمداً له وشكراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015