والزعم بضرورة القول بهذا، "لئلا يلزم فك الضمائر من غير ضرورة"، على ما ادعاه الآلوسي، وأورده الشهاب في حاشيته على البيضاوي (?) ، وكذا الزعم بأن "من فرق الضمائر فقد أبعد" على ما ذكر الزمخشري (?) ، زعم باطل، ذلك أن فك الضمائر والذهاب مذهب عود الأولين منها إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعود الثالث إليه سبحانه - فضلاً عن تعين القول به لدلالة السياق من خلال المعنى وعود الضمائر، وللقراءة الواردة عن ابن مسعود وابن جبير- هو من الطي والنشر، أو ما يسمى باللف والنشر، وهذا من أعظم أبواب المحسنات المعنوية في علم البديع، وهو على ما ذكر البلاغيون: أن يذكر متعدد - كما هو الحال في النظم الكريم: (وتعزروه وتوقروه وتسبحوه) - ثم يذكر ما لكلٍّ من أفراده شائعاً من غير تعيين اعتمادأً على تصرف السامع في تمييز ما لكلِّ واحد منها، ورده إلى ما هو له، وهو في هذه الآية - على ما ترجح لدينا - يتمثل في جعل الأولين عائداً إلى الرسول، وفي الأخير راجعاً إلى الله، وفي العود على هذا النحو من تهيئة النفوس وإعدادها كيما تتلقى ما يذكر من النشر العائد في الآية إلى اللف قبلاً.. ما فيه، وحسب صاحب الذوق البلاغي أن يدرك كيف وقع العود على الطريقة الذي ذكرنا موقعه، وكيف تمت الفائدة على أتم وجه وأحسنه، وتحقق الغرض بأبلغ ما يكون، وحسبه كذلك أن يأتنس للوقوف على جمال هذا الصبغ من البديع، بتلاوة قوله سبحانه: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله.. القصص/73) ، وقوله: (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. الإسراء/12) ، وقول ابن الرومي مادحاً:

آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم في الحادثات إذا دجون نجوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015