ثالثا:

إن مهمة العالم المسلم ليست منحصرة في تعليم الناس العلم وتلقينهم الأحكام وتحفيظهم المتون بل إن مهمته أوسع من ذلك، إنه القدوة العملية لمن يربيهم ويعلمهم الفهم الصحيح لطلب العلم والعمل به، والفهم الصحيح لوظيفة المال في الحياة الدنيا، والمعنى السليم للزهد.

فهو إلى جانب تعليمهم يتفقد أحوالهم وينفق عليهم ويوجههم توجيها عمليا، فلا يعلمهم أحكام الجهاد وهو قاعد متخلف مع القاعدين، ولا يعلمهم سبل الإنفاق وهو مقتر بخيل أو فقير عاطل، ولا يعلمهم التواضح وسعة الأفق وهو متكبر غليظ القلب ضيق الأفق.

رابعا:

تلك المكانة التي كان يحتلها علماؤنا من السلف الصالح بين الأمة وأنها مكانة عالية مكانها القلوب والأرواح، مكانة لا يبلغها الملوك ولا أرباب المال والجاه المتسلطين على الأمة بالقوة والقهر والذين غالبا ما تكون محبتهم مصحوبة بالرياء والمداهنة.

وأصدق تعبير عن هذه المكانة لأئمتنا من السلف الصالح أمران:

الأول: مكانة ابن المبارك الدليل العملي والقدوة المثلى في ذلك، وقد مر بنا في ثنايا البحث الكثير من ذلك.

والثاني: ما قالته أم ولد لهارون الرشيد عندما رأت بأم عينها مكانة الأمام عبد الله بن المبارك في قلوب ونفوس الأمة، فانطلق لسانها معبرا عن تلك المكانة:..... هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لايجمع الناس إلا بشرط وأعوان أو ترغيب وترهيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015