وعن أشعث بن شعبة المصيصي، قال:
قدم هارون الرشيد الرقة، فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين الرشيد من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس، قالت:
ما هذا؟، قالوا: عالم من أهل خرسان قدم الرقة، يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان1.
- أخرج الخطيب البغدادي بإسناده إلى الحمادين2، قالا: كان عبد الله ابن المبارك يتجر في البز، وكان يقول لولا خمسة ما أتجرت، فقيل له من الخمسة يا أبا عبد الرحمن؟، فقال: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ومحمد بن السماك وإسماعيل بن علية.
قالا: وكان يخرج فيتجر إلى خراسان، فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة، قالا: وقدم سنة، فقيل له قد ولي ابن علية القضاء، فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة، فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قدم فركب إليه فتنكس على رأسه، فلم يرفع به عبد الله رأساً ولم يكلمه فانصرف، فلما كان من غد كتب إليه رقعة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، أسعدك الله بطاعته، وتولاك بحفظه، وحاطك بحياطته قد كنت منتظراً لبرك وصلتك أتبرك بها وجئت أمس فلم تكلمني ورأيتك واجداً علي، فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه؟.