ـ[عبد الوهاب الغامدي]ــــــــ[12 - 09 - 2008, 07:52 ص]ـ
البسملة1
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلام على نبيِّنا محمدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعينَ، وبعد:
فَإنَّ الكثيرَ مِنَّا - رعاكم اللهُ - يَشْكُوْ من ضَعْفٍ في لُغَتِهِ كِتَابَةً وتَحَدُّثاً، ولا شَكَّ أن هذا مَعِيْبٌ بِأَبْناءِ لُغَةٍ اخْتارَها اللهُ سبحانه وتعالى لِتَكُونَ لُغَةَ كتابهِ، ومُعْجِزَةَ نَبِيِّهِ، وإنّ من المُسَلَّمِ بِهِ عندَ أَهْلِ الأدَبِ أنّ خَيرّ ما يُسْتَعانُ بِهِ بعدَ اللهِ سبحانه وتعالى في ذلكَ إدامَةُ النّظَرِ في خُطَبِ البُلَغاءِ، وكَلامِ الفُصَحاءِ، ونَظْمِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، فَإلَيْكُم مَعاشِرَ الجُلساءِ نُتَفاً ممّا غرَّدَتْ بِهِ بَلابِلُ الأَقْلامِ، وأَبْدَعَتْهُ قَرائحُ الأفْهامِ، من ذَكاءٍ فائقٍ، أو خَيَالٍ رائقٍ، أو حِسٍ لَطيفٍ، أو ذَوْقٍ ظَرِيْفٍ، وليسَ لي في ذلك إلا الاخْتيارُ، والتَّشْكيلُ مع ضعفِ الاقْتِدارِ.
قَالَ الجَاحِظُ: ((اللهمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَوْلِ كَمَا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْعَمَلِ، وَنَعُوْذُ بِكَ مِنَ الْتَكَلُّفِ لِمَا لا نُحْسِنُ كَمَا نَعُوْذُ بِكَ مِنَ الْعُجْبِ بِمَا نُحْسِنُ، وَنَعُوْذُ بِكَ مِنَ الْسَّلَاطَةِ، والْهَذَرِ كَمَا نَعُوْذُ بِكَ مِنَ الْعِيِّ، والْحَصَرِ، وَقَدِيْمَاً مَا تَعَوَّذُوْا بِاللهِ مِنَ شَرِّهِمَا، وَتَضَرَّعُوْا إلِى اللهِ فِيْ الْسَّلَامَةِ مِنْهُمَا، وَقَدْ قَالَ النَّمِرُ بنُ تَوْلَبٍ:
أَعِذْنِيْ رَبِّيْ مِنْ حَصَرٍ وَعِيٍ .... وَمِن نَفْسٍ أُعَالِجُها عِلاجَا
وَقالُوا في الصَّمْتِ كَقَوْلِهِمْ في المَنْطِقِ، قال أُحَيْحَةُ بنُ الجُلاحِ:
وَالصَّمْتُ أَجْمَلُ بالفَتى .... ما لم يَكُنْ عِيٌّ يَشِيْنُهْ
وَالقَولُ ذُوْ خَطَلٍ إذا .... ما لم يَكُنْ لُبٌّ يُعِيْنُهْ
وَقال مَكِّيُّ بنُ سَوادَةَ:
تَسَلَّمَ بالسُّكوتِ من العُيُوبِ .... فكان السَّكْتُ أَجْلَبَ للعُيُوبِ
وَيَرْتَجِلُ الكَلامَ وليس فيهِ .... سوى الهَذَيان من حَشْدِ الخَطِيبِ
وَسَأَلَ اللهَ عزّوجَلّ موسى بنُ عِمْرانَ – عليه السّلام – حينَ بَعَثَهُ إلى فِرْعَوْنَ بإبْلاغِ رِسالتِهِ، وَالإبانةِ عن حُجَّتِهِ، وَالإفْصاحِ عن أدِلَّتِهِ، فَقَال حين ذكر العُقْدَةَ التي كانت في لِسانِهِ، وَالحُبْسَةَ التي كانت في بيانِهِ ((واحْلُلْ عُقْدَةً من لِسانِيْ يَفْقَهُوا قَوْلي)).
وَأَنْبأَنا اللهُ – تَبَارَكَ وَتَعالَى – عَنْ تَعَلُّقِ فرعونَ بكلِّ سَبَبٍ، واسْتِرَاحَتِهِ إلى كلِّ شَغَبٍ، وَنَبَّهَنا بذلك على مَذْهَبِ كلِّ جاحِدٍ مُعانِدٍ، وكلِّ مُحْتالٍ مُكايِدٍ، حِيْنَ خَبَّرَنا بقوله ((أَمْ أََنا خَيْرٌ مِنْ هذا الّذي هُوَ مَهِيْنٌ ولا يَكَادُ يُبِيْنُ)).
وَقَالَ موسى صلى الله عليه وسلم ((وَأَخِيْ هارونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُني))، وقَالَ ((وَيَضِيْقُ صَدْرِيْ وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِيْ)) رَغْبَةً منهُ في غايَةِ الإفْصَاحِ بالحُجَّةِ، والمُبَالَغَةِ في وُضُوْحِ الدِّلالَةِ، لِتَكونَ الأعْناقُ إليه أَمْيَلَ، والعُقُولُ عنهُ أَفْهَمَ، والنُّفُوسُ إليه أَسْرَعَ، وإن كان قد يأتي من وراءِ الحاجة، ويَبْلغ أَفْهامَهُمْ على بعضِ المَشَقَّةِ.
ولِلَّهِ عزوجل أن يَمْتَحِنَ عبادَهُ بما شاءَ من التخفيفِ والتثقيلِ، ويَبْلوَ أخبارَهم كيف أحبَّ من المحبوبِ والمكروهِ، ولكلِّ زمانٍ ضَرْبٌ من المصلَحَةِ، ونوعٌ من المِحْنَةِ، وشَكْلٌ من العبادَةِ.
ومِنَ الدَّليلِ على أن اللهَ تعالى حلَّ تلك العُقْدَةَ، وأطْلَقَ ذلك التعقيدَ والحُبْسَةَ، قوله ((ربِّ اشْرَحْ لي صَدْري () ويَسِّرْ لي أمري () واحلُلْ عُقْدَةً من لساني يَفْقَهوا قَوْلي () واجْعَل لي وزيراً من أهلي هارون أخي () اشْدُدْ به أزْري () وأَشْرِكْهُ في أَمْرِيْ)) إلى قوله ((قدْ أُوْتيتَ سؤْلَكَ يا موسى)) فلم تقعِ الاستِجابةُ على شيءٍ من دُعائهِ دونَ شيءٍ، لعُمُومِ الخَبَرِ.
(البيان والتبيين 1/ 3 - 8)
¥