ـ[عائشة]ــــــــ[20 - 10 - 2010, 08:18 ص]ـ
(8)
ولا تُخاطِبَنَّ خاصًّا بكلامِ عامٍّ، ولا عامًّا بكلامِ خاصٍّ، فمتَى خاطَبْتَ أحدًا بغيرِ ما يُشاكِلُهُ؛ فقد أجرَيْتَ الكلامَ غير مُجْرَاه، وكشفته. وقَصْدُكَ بالكلامِ الشَّريفِ للرَّجلِ الشَّريفِ تنبيهٌ لقَدْرِ كلامِكَ، ورفعٌ لدرجتِه، قال:
فلَمْ أمدَحْهُ تفخيمًا لشِعْري ...... ولكنِّي مَدَحْتُ بِكَ المَديحا
فلا تُخْرِجنَّ كلمةً حتَّى تَزِنَها بميزانِها، فتعرفَ تمامَها ونظامَها، وموارِدَها ومصادِرَها. وتجنَّب ما قدرتَ الألفاظَ الوحشيَّةَ، وارتفِعْ عَنِ الألفاظِ السَّخيفة، واقتضِبْ كلامًا بين الكلامَيْنِ.
ـ[عائشة]ــــــــ[21 - 10 - 2010, 09:43 ص]ـ
(9)
والكاتبُ المستحقُّ اسْمَ الكتابةِ، والبليغُ المحكومُ لَهُ بالبلاغةِ؛ مَنْ إذا حاولَ صيغةَ كتابٍ؛ سالَتْ علَى قَلَمِهِ عيونُ الكلامِ مِن ينابيعِها، وظهرَتْ مِن معادنِها، ونَدَرَتْ مِن مواطنِها، عَنْ غَيرِ استكراهٍ، ولا اغتصابٍ.
حدَّثَنا صديقٌ للعتَّابيِّ؛ قال له: اعملْ لي رِسالةً، فاستمدَّه مدَّةً بعد أُخْرَى، فقال له: ما أرَى بلاغتَكَ إلاَّ شاردةً عنك، فقال له العتابيُّ: إنِّي لَمَّا تناولتُ القَلَمَ تداعَتْ علَيَّ المعاني مِن كُلِّ جِهَةٍ، فأحببتُ أنْ أترُكَ كلَّ معنًى يَرْجِعُ إلى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ أجتني لكَ أحسنَها.
ـ[عائشة]ــــــــ[21 - 10 - 2010, 09:23 م]ـ
(10)
وكُلَّما احْلَوْلَى الكلامُ، وعَذُبَ، ورقَّ، وسَهُلَتْ مَخارِجُهُ؛ كانَ أسهلَ وُلوجًا في الأسماعِ، وأشدَّ اتِّصالاً بالقلوبِ، وأخَفَّ علَى الأهواءِ، ولا سيَّما إذا كان المعنَى البديعُ مُتَرْجَمًا بلفظٍ مُونقٍ شريفٍ، ومُعبَّرًا بكلامٍ مؤلَّفٍ رشيقٍ، لم يشِنْهُ التَّكلُّفُ بِمِيسَمِهِ، ولَمْ يُفْسِدْهُ التَّعقيدُ باستهلاكِه.
ـ[عائشة]ــــــــ[23 - 10 - 2010, 08:34 ص]ـ
(11)
والمعاني وإن كانَتْ كامنةً في الصُّدورِ؛ فإنَّها مُصَوَّرةٌ فيها، ومُتَّصلةٌ بِها، وهي كاللآلئِ المُنطويةِ في أصدافِها، والنَّارِ المخبوءةِ في أحجارِها، فإنْ أَظْهَرْتَها مِن أكنانِها، وأصدافِها؛ تبيَّنَ حُسْنُها، وإن قَدَحْتَ النَّارَ مِن مكامنِها، وأحجارِها؛ انتفَعْتَ بِها، وإلاَّ بَقِيَتْ محجوبةً مستورةً. ورُبَّما يُستثارُ الكامِنُ مِنها، ويُسْتَخْرَجُ المُسْتَسِرُّ مِن جَواهرِها؛ بقَدرِ حِذْقِ المُستنبِطِ، وصوابِ حَرَكاتِ المُستخرِج، وقَصْدِ إشارتِه، ولُطْفِ مذاهبِه. وكذلك ليس كلُّ ناطقٍ ولا كاتبٍ يوضِّح عَنِ المعنَى، ولا يصيبُ إشارتَه. وكُلَّما كانَ الكلامُ أفصحَ، والبيانُ أوضحَ؛ كانَ أدلَّ علَى حُسْنِ وَجْهِ المعنَى. وقد رأيتهم شبَّهوا المعنَى الخفيَّ بالرُّوحِ الخفيِّ، واللَّفظَ الظَّاهر بالجثمانِ الظَّاهر. وإذا لَمْ ينهَضْ بالمعنَى الشَّريفِ لَفْظٌ شريفٌ جَزْلٌ؛ لَمْ تكُنِ العبارةُ واضحةً، ولا النِّظامُ مُتَّسِقًا، وتضاءَلَ المعنَى الحَسَنُ تَحْتَ اللَّفْظِ القَبيحِ، كتضاؤُلِ الحَسْناءِ في الأطْمارِ الرَّثَّةِ.
تَمَّ الاخْتِيَارُ
والْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ
*********************
ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[23 - 10 - 2010, 12:36 م]ـ
اللهمَّ اجزِ عائشةَ عنَّا خيراً، واكتبْ لها أجراً.
واسْتَمْنِحْهُ رشدًا يُقبل إليكَ بوَجْهِ مذاهبكَ
من هنا أخذتُ قولي في حلِّ أبياتِ الحماسةِ: (أقبلنا عليهِم بوجهِ مذهبِهِم)، وقد كنتُ قرأتُ كلامَ الشيبانيِّ هذا بعدَ أن دوَّنته عائشة، وقبل بدءِ حلِّ الحماسة، فليستْ من عندي، وإن ظننتُ ذلك!
أو لعلَّ صاحِب الرسالةِ العذراء، أخذها منَّي!!
ـ[اليمامة]ــــــــ[23 - 10 - 2010, 05:20 م]ـ
(10)
وكُلَّما احْلَوْلَى الكلامُ، وعَذُبَ، ورقَّ، وسَهُلَتْ مَخارِجُهُ؛ كانَ أسهلَ وُلوجًا في الأسماعِ، وأشدَّ اتِّصالاً بالقلوبِ، وأخَفَّ علَى الأهواءِ، ولا سيَّما إذا كان المعنَى البديعُ مُتَرْجَمًا بلفظٍ مُونقٍ شريفٍ، ومُعبَّرًا بكلامٍ مؤلَّفٍ رشيقٍ، لم يشِنْهُ التَّكلُّفُ بِمِيسَمِهِ، ولَمْ يُفْسِدْهُ التَّعقيدُ باستهلاكِه.
راقت لي
ـ[غمام]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 03:09 ص]ـ
ما شاءَ الله تباركَ الله!
زادَكِ الله من فضلهِ. فكم قرأتُ هذهِ العذراءَ - وهي بحقٍّ عذراء في حُسنها-ولم تزدني إلاَّ إصرارًا على معاودةِ قراءتِها، والنَّهلِ من جميلِ لفظِها ومعناها.
ولا أخفيكِ - أستاذتَنا الكريمة - فقد عزمتُ على فتحِ مجلَّدٍ خاصٍّ في جهازي؛ أنسخُ فيهِ فوائدكِ ودرركِ، ولعلِّي أسميهِ - إن شاءَ الله -: "فوائد الأستاذة / عائشة".
فجزاكِ الله خيرًا.
ـ[عائشة]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 12:46 م]ـ
ولا أخفيكِ - أستاذتَنا الكريمة - فقد عزمتُ على فتحِ مجلَّدٍ خاصٍّ في جهازي؛ أنسخُ فيهِ فوائدكِ ودرركِ، ولعلِّي أسميهِ - إن شاءَ الله -: "فوائد الأستاذة / عائشة".
فجزاكِ الله خيرًا.
قَدْ غَمَرْتِني بِلُطْفِكِ -أيَّتُها الأُستاذةُ الكريمةُ-، ولا أستحِقُّ منكِ كُلَّ هذا!
جزاكِ اللهُ خيرًا علَى كَرَمِكِ، وحُسْنِ ظنِّكِ.
أختكِ/ عائشة،
¥