ملتقي اهل اللغه (صفحة 5811)

مقتطفات من «الرسالة العذراء» لأبي اليسر إبراهيم الشيباني

ـ[عائشة]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 08:40 ص]ـ

البسملة1

الحمدُ لله، وبعدُ:

فهذه مقتطفاتٌ أنقلُها من «الرِّسالةِ العذراءِ في موازينِ البلاغةِ وأدواتِ الكتابةِ»، لأبي اليسر إبراهيم بن محمَّد الشَّيبانيِّ (ت 298)، وأسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن ينفعَ بها.

تنبيه (1)

ظَهَرَتْ هذه الرِّسالةُ -أوَّل ما ظَهَرَتْ- عامَ 1327، بمجلَّة المقتبس، علَى يدِ الأُستاذ/ محمَّد كرد علي، وقد نسَبَها خطأً إلى ابن المدبّر (ت 279)، وأعادَ نشرَها في كتابِه «رسائل البلغاء» منسوبةً إلى ابن المدبّر -أيضًا-. وكذلك صَنَعَ د. زكي مُبارَك.

والحقُّ أنَّ صاحبَ هذه الرِّسالةِ هو: أبو اليسر إبراهيم بن محمَّد الشَّيبانيُّ، كَتَبَ بها إلى إبراهيم بن محمَّد بن المدبّر؛ كما هو واضِحٌ في المخطوطِ الَّذي اعتُمِدَ عليه في إخراجِ الرِّسالةِ (مجاميع تيمور - رقم 80) [انظُر: «الرسالة العذراء»، لإبراهيم بن محمد الشيباني، حققها وقدّم لها: د. محمد المختار العبيدي - مقدّمة التحقيق].

تنبيه (2)

سأتَّخِذُ مِنْ: «جمهرة رسائل العرب» -لأحمد زكي صفوت- مَرْجِعًا لي في نَقْلِ ما اقتطفتُهُ مِنْ هذه الرِّسالةِ.

وباللهِ التَّوفيقُ.

http://www.f3al.com/up/uploads/images/topics-fasl/flowerline4.gif

ـ[عائشة]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 08:43 ص]ـ

(1)

اعْلَمْ -أيَّدكَ اللَّهُ- أنَّ أدواتِ ديوانِ جميعِ المحاسنِ، وآلاتِ المكارمِ؛ طاعةٌ منقادةٌ لهذه الصِّناعةِ الَّتي خَطَبْتَها، وتاليةٌ تابِعةٌ لها، وغيرُ خارجةٍ إلَى جَحْدِ أحكامِها، ولا دافِعةٌ لِمَا يلزمُها الإقرارُ به لها، إضرارًا منها إليها، وعجزًا عنها. فإن تَقَاضَتْكَ نَفْسُكَ عِلْمَها، ونازَعَتْكَ هِمَّتُكَ إلَى طَلَبِها؛ فاتَّخِذِ البُرهانَ دليلاً شاهِدًا، والحقَّ إِمامًا قائدًا؛ يُقرِّبْ مسافةَ ارتيادِكَ، ويُسهِّلْ عليكَ سُبلَ مَطالبِها، واستوهبِ اللهَ توفيقًا تستَنجِحُ به مَطَالبَكَ، واسْتَمْنِحْهُ رشدًا يُقبل إليكَ بوَجْهِ مذاهبكَ. فاقصِدْ في ارتيادكَ، وتأمَّلِ الصَّوابَ في قولكَ وفعلكَ، ولا تسكُنْ إلى جُحودِ قَصْدِ السَّابقِ باللَّجاجِ، ولا تخرجْ إلى إهمالِ حقِّ المُصيبِ بالمعانَدةِ والإنكارِ، ولا تستخِفَّ بالحكمةِ، ولا تُصغرها حيثُ وجدتَّها؛ فترحلَ نافرةً عن مواطنِها من قلبكَ، وتظعنَ شاردةً عن مكانِها من بالكَ، وتتعفَّى بعد العمارةِ من قلبكَ آثارُها، وتنطمسَ بعد الوضوحِ أعلامُها.

ـ[عائشة]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 08:33 ص]ـ

(2)

واعلمْ أنَّ الاكتِسابَ بالتَّعلُّمِ، والتَّكلُّفِ، وطولِ الاختلافِ إلى العُلَماءِ، ومُدارَسة كُتُبِ الحُكَماءِ. فإنْ أردتَّ خَوْضَ بِحارِ البلاغةِ، وطلَبْتَ أدواتِ الفصاحةِ؛ فتصفَّحْ مِن رسائل المتقدِّمين ما تعتمدُ عليه، ومن رسائل المتأخِّرين ما ترجعُ إليه؛ في تلقيحِ ذهنِكَ، واستنجاحِ بلاغتك، ومن نوادرِ كلامِ النَّاس ما تستعينُ به، ومن الأشعارِ، والأخبارِ، والسِّيرِ، والأسمارِ؛ ما يتَّسعُ به منطقُكَ، ويعذُبُ به لِسانُكَ، ويطولُ به قَلَمُكَ.

ـ[عائشة]ــــــــ[13 - 10 - 2010, 11:26 ص]ـ

(3)

وتحفَّظْ في صُدورِ كُتُبِكَ وفُصولِها، وافتتاحِها وخاتمتِها، وضَعْ كُلَّ مَعْنًى في موضِعٍ يليقُ به، وتخيَّر لِكُلِّ لَفْظةٍ معنًى يُشاكِلُها، ولْيَكُن ما تختِمُ به فصولَك في موضعِ ذِكْرِ الشَّكْوَى بمثل: «واللهُ المستعان، وحسبُنا الله ونِعْمَ الوكيل»، وفي موضعِ ذِكْرِ البَلْوَى: «نسألُ اللهَ دَفْعَ المحذورِ، ونسأل اللهَ صَرْفَ السُّوءِ»، وفي موضعِ ذِكْرِ المُصيبةِ بمثل: «إنَّا للهِ، وإنَّا إليه راجعون»، وفي موضعِ ذِكْرِ النِّعَمِ بمثل: «والحمدُ للهِ خالصًا، والشُّكْرُ للهِ واجبًا»؛ فإنَّها مواضِعُ ينبغي للكاتبِ تفقُّدُها، فإنَّما يكونُ كاتِبًا إذا وَضَعَ كُلَّ مَعْنًى في موضِعِهِ، وعلَّقَ كُلَّ لفظةٍ علَى طِبْقِها مِنَ المعنَى، فلا يجعل أوَّلَ ما ينبغي له أن يُكتَبَ في آخرِ كتابِه في أوَّلهِ، ولا أوَّلَهُ في آخِرِه؛ فإنِّي سمعتُ جعفر بن محمَّد الكاتب يقول: «لا ينبغي للكاتبِ أن يكونَ كاتِبًا حتَّى لا يستطيع أحدٌ أن يُؤخِّرَ أوَّلَ كِتابِهِ، ولا يُقدِّم آخِرَهُ».

ـ[عائشة]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 10:28 ص]ـ

(4)

فتَخيَّرْ مِنَ الألفاظِ أرجحَها وَزْنًا، وأجزلَها معنًى، وأشرفَها جَوْهرًا، وأكرمَها حَسَبًا، وأليقَها في مكانِها، وأشكَلَها في مَوْضِعها. ولْيَكُن في صَدْرِ كتابِكَ دليلٌ واضحٌ على مُرادِكَ، وافتتاحِ كلامِكَ برهانٌ شاهدٌ على مقصدِكَ، حيثُما جرَيْتَ فيه مِن فُنونِ العِلْمِ، ونَزَعْتَ نَحْوَهُ مِن مذاهب الخُطَبِ والبلاغاتِ؛ فإنَّ ذلك أجزلُ لِمَعْناك، وأحسنُ لاتِّساقِ كلامِكَ. ولا تُطِيلَنَّ صَدْرَ كلامِكَ إطالةً تُخرِجُه عن حَدِّهِ، ولا تقصِّر به عن حقِّه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015