ـ[عائشة]ــــــــ[31 - 10 - 2010, 10:18 ص]ـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتب د. محمود الطناحي -رحمه الله- مقالتين مُتتاليتين في مجلَّة الهلال (مارس- إبريل 1995) بعنوان «البيان .. والطريق المهجور»، وهما في القسمِ الأوَّل من «مقالاته» المطبوعةِ مِن قِبَلِ دار البشائر الإسلاميَّة. وسأختارُ منَ المقالتَيْن بعضَ الفقراتِ، وسأجعلُ لِكُلٍّ عنوانًا.
• نِعمةُ البَيانِ
استهلَّ الطناحيُّ -رحمه الله- مقالتَهُ بقولِه: (مِنْ أجلِّ نِعَمِ اللهِ تعالَى علَى عبادِهِ: نِعمة البَيان، وقد امتَنَّ اللهُ علَى عبادِهِ بهذه النِّعمةِ، فذكَرها في أشرفِ سياقٍ، فقالَ -تقدَّسَتْ أسماؤُه-: ?الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ القُرْآنَ. خَلَقَ الإِنسَانَ. عَلَّمَهُ البَيَانَ?).
• المُرادُ بالبَيانِ
ثُمَّ أوضحَ أنَّ المُرادَ بالبَيانِ هو: الإحسان في تأدية المعاني، وليس هُو مجرَّد الكشف عمَّا في النَّفسِ. ونقلَ عن الرُّمَّانيِّ قولَهُ -في كتابه «النكت في إعجاز القرآن» -: (وليس يحسن أن يُطلقَ اسم بيان علَى ما قبُحَ من الكلام؛ لأنَّ اللهَ قد مَدَحَ البيان، واعتدَّ به في أياديه الجِسام؛ قال: ?الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ القُرْآنَ. خَلَقَ الإِنسَانَ. عَلَّمَهُ البَيَانَ?؛ ولكنْ: إذا قُيِّدَ بما يدلُّ علَى أنَّه يعني به إفهام المُراد؛ جازَ).
• اللُّغة العربيَّةُ مُعينةٌ علَى حُسْنِ البَيَانِ
واللُّغةُ العربيَّةُ مُعينةٌ علَى حُسْنِ البَيانِ؛ يقولُ الطناحيُّ: (ونحنُ -أمَّةَ العربِ- أمَّةُ بيانٍ وفصاحة، ولُغتنا مُعينةٌ علَى ذلك؛ بَما أُودِعَ فيها مِن خصائص شعريَّة في الحروف والأبنية والتَّراكيب، ثمَّ هذه الثَّروة الهائلة من الأسماء والأفعال، والمترادف والمشترك والأضداد، ولغُتنا مُعينة -أيضًا- على البيان والفصاحة؛ بهذه القوانين الرحبة الواسعة من الحقيقة والمجاز، والسَّماحة في تبادل وظائف الأبنية؛ كالَّذي يُقال من مجيء فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول وبمعنى مُفْعِل، وتبادل وظائف الإفراد والتَّثنية والجمع، ووقوع بعضها موقع بعض، والتَّساهل في التَّعبير عن الأزمنة؛ كالتَّعبير عن الماضي بالمستقبل، وبالمستقبل عن الماضي، إذا اقترن بالفعل ما يدلُّ على زمانه، ووقوع بعض حروف الجرِّ مكان بعض، وتذكير ما حقُّه التَّأنيث، وتأنيث ما حقُّه التَّذكير، والحَمْل على المعنى، والحَمْل على اللَّفظ، وحريَّة التَّعامل مع الضَّمائر غيبة وحضورًا فيما يُعرف بالالتفات، والتَّعويل على القرائن والسِّياق في تخليص الكلام من كثير من الفضول والزَّوائد، وهو باب الحذف؛ الَّذي يجعله ابن جنِّي من باب «شجاعة العربية»، وهو تعبيرٌ عجيبٌ؛ انظره في كتابه الفذّ: «الخصائص» 2/ 360، إلى سائر قوانين اللُّغة وأعرافها، حتَّى علم النَّحو الَّذي يُظنُّ به العُسر والتشدُّد، ولو تأمَّلتَه حقَّ التَّأمُّلِ؛ لوجدتَّ فيه الكثير من الرُّخَص والإباحة، علَى ما قاله الأصمعيُّ: «مَنْ عَرَفَ كلامَ العَرَبِ لَمْ يَكَدْ يُلَحِّنُ أحَدًا»).
• أوَّل مَنْ أصَّلَ فَنَّ البيانِ
يقولُ -رحمه الله-: (ولعلَّ أوَّل من أصَّلَ هذا الفنَّ هو أديب العربيَّة الكبير: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، حين صنعَ كتابَه الَّذي جَعلَ عنوانَه دالاًّ بصريح اللَّفظِ علَى الغاية الَّتي تغيَّاها منه، وكان كتابُ الجاحظ هذا مع كتاب مُعاصره والرَّاوي عنه: أبي محمَّد عبد الله بن مسلم المعروف بابن قُتيبة «عيون الأخبار»: هما الأساس الأوَّل في إرساء قواعد هذا الفنّ «البيان»، بذكر الأدوات الموصلة إليه، والمعينة عليه، من ذكر كلام العرب وخطبها وشعرها ومحاوراتها وأجوبتها المُسكتة).
• توالي التَّأليف في الأدب
ثُمَّ يقولُ: (وتوالت الكُتُبُ في هذا الطَّريق؛ ككُتُب الأمالي والمجالس والمختارات والحماسات، مع عناية ظاهرة باللُّغة والغريب، تمثَّلَتْ في أمالي أبي علي القالي، ومجالس أبي العبَّاس ثعلب.
¥