ـ[عائشة]ــــــــ[15 - 06 - 2008, 08:20 ص]ـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحَمْدُونيّ وطَيلَسَانُ ابنِ حَرْبٍ
ـ ـ،؛، ـ ـ،؛، ـ ـ،؛، ـ ـ،؛، ـ ـ
كانَ أحمدُ بنُ حَرْب المهلَّبي مِن المُنعِمِين على الحمدونيِّ، والمحسنين إليه، ولهُ فيه مدائح كثيرة، فوَهَبَ لَهُ طيلسانًا أخْضَرَ لَمْ يَرْضَهُ؛ قال أبو العبَّاس المبرِّد: فأنشدَنَا فيه عَشْرَ مُقطَّعات، فاستَحْلَينا مَذْهَبَه فيها، فجَعَلَها فَوْقَ الخمسين؛ فطارَتْ كُلَّ مَطَار، وسارَتْ كُلَّ مَسَار.
فمنها قولُه:
يَابْنَ حَرْبٍ كَسَوْتَني طَيْلَسانًا * مَلَّ مِنْ صُحبَة الزَّمانِ وصَدَّا
فَحَسِبْنَا نَسْجَ العَنَاكِبِ قَدْ حَا * لَ إِلى ضَعْفِ طَيْلَسانِكَ سَدَّا
طَالَ تَرْدادُه إلى الرَّفْوِ حَتَّى * لَوْ بَعَثْنَاهُ وَحْدَه لَتَهَدَّى
وقال:
يَا طَيْلَسانَ ابْنِ حَرْبٍ قَدْ هَمَمْتَ بِأَنْ * تُودِي بِجِسْمِي كَمَا أَوْدَى بِكَ الزَّمَنُ
مَا فِيكَ مِنْ مَلْبسٍ يُغْني ولا ثَمَنٍ * قَدْ أوْهَنَتْ حِيلتي أَرْكانُكَ الوُهنُ
فَلَو تَرَاني لَدَى الرَّفَّاءِ مُرْتَبِطًا * كأنَّني في يَدَيْهِ الدَّهْرَ مُرْتَهنُ
أَقُولُ حين رآني النَّاسُ أَلْزَمُهُ * كأنَّما ليَ في حانُوتِهِ وَطَنُ:
مَنْ كانَ يَسْألُ عنَّا أيْنَ مَنزلُنا * فالأُقْحُوانةُ مِنَّا مَنْزِلٌ قَمَنُ
وقال:
قُلْ لابْنِ حَرْبٍ: طَيْلَسَا * نُكَ قَوْمُ نُوحٍ مِنْهُ أَحْدَثْ
أفْنَى القُرُونَ ولَمْ يَزَلْ * عَمَّنْ مَضَى مِنْ قَبْلُ يُورَثْ
وإذَا العُيونُ لَحَظْنَهَ * فكأنَّه باللَّحْظِ يُحْرَثْ
يُودِي إذَا لَمْ أَرْفُهُ * فإذَا رَفَوْتُ فَلَيْسَ يَلْبَثْ
كالكَلْبِ إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ الدَّهْرَ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
وقال:
طَيْلَسَانٌ لابْنِ حَرْبٍ جَاءَني * خِلْعَةً في يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرّ
فإذَا مَا صِحْتُ فيهِ صَيْحةً * تَرَكَتْهُ كَهَشِيمِ المحتَظِرْ
وإذَا ما الرِّيحُ هَبَّتْ نَحْوَهُ * طَيَّرَتْهُ كالجَرَادِ المنتشِرْ
مُهْطِعُ الدَّاعِي إلى الرَّافي إذا * ما رآهُ قال: ذَا شَيْءٌ نُكُرْ
وإذَا رَفَّاؤه حاوَلَ أنْ * يَتَلافَاهُ تَعَاطَى فعَقَرْ
وقال:
أَيَا طَيْلَسَانِيَ أعْيَيْتَ طِبِّي * أَسُلٌّ بِجِسْمِكَ أَمْ دَاءُ حُبِّ؟
ويا رِيحُ صَيَّرْتِني أتَّقيكِ * وَقَدْ كُنتُ لا أتَّقي أنْ تَهُبِّي
ومُسْتَخْبِرٍ خَبَرَ الطَّيلَسَان * فقُلْتُ لَهُ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وقال فيه:
يَابْنَ حَرْبٍ أطَلْتَ فَقرِي برَفْوي * طَيْلَسانًا قَدْ كُنتُ عنهُ غَنِيّا
فَهْوَ في الرَّفْوِ آلُ فِرْعَوْنَ في العَرْ * ضِ علَى النَّارِ غُدْوةً وعَشِيّا
زُرْتُ فِيهِ مَعَاشِرًا فازْدَرَوْني * فتغنَّيْتُ إذْ رَأَوْني زَرِيّا:
جِئْتُ في زِيِّ سَائلٍ كَيْ أَرَاكُمْ * وَعَلَى البابِ قَدْ وَقَفْتُ مَلِيّا
وقال:
وَلي طَيْلَسَانٌ إنْ تأمَّلْتُ شَخْصَهُ * تيقَّنْتُ أنَّ الدَّهْرَ يَفْنَى وينقَرِضْ
تَصَدَّعَ حتَّى قَدْ أَمِنْتُ انصِداعَهُ * وأَظْهَرَتِ الأيَّامُ مِنْ عُمْرِهِ الغَرَضْ
كأنِّي لإشْفاقي عَلَيْهِ مُمَرّضٌ * أخَا سَقَمٍ مِمَّا تَمادَى بِهِ الْمَرَضْ
فَلَوْ أنَّ أَصْحَابَ الكلامِ يَرَوْنَهُ * لَمَارَوْكَ فِيهِ وادَّعَوْا أنَّهُ عَرَضْ
وقال فيه:
لِطَيْلَسَانِ ابْنِ حَرْبٍ نِعْمةٌ سَبَقَتْ * بِهَا تَبيَّنَ فَضْلي فَهْوَ مُتَّصِلُ
قد كُنتُ دَهْرًا جَهُولاً ثُمَّ حنَّنَني * عَلَيهِ خَوْفي مِنَ الأقوامِ إنْ جَهِلُوا
أظلُّ أجْتَنِبُ الإخْوانَ مِنْ حَذَرٍ * كأنَّما بِيَ جُرْحٌ لَيْسَ يَندَمِلُ
يا طيلسانًا إذا الألحاظُ جُلْنَ بهِ * فَعَلْنَ فِعْلَ سِهامٍ فِيهِ تَنْتَضِلُ
لَئِن بَلِيتَ فَكَمْ أَبْلَيْتَ مِنْ أُمَمٍ * تَتْرَى أَبَادَتْهُمُ أيَّامُكَ الأُوَلُ
وَكَمْ رَآكَ أخٌ لي ثُمَّ أنشدَني: * وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ
وقال فيه:
يابْنَ حَرْبٍ كَسَوْتَنِي طَيْلَسَانًا * أَمْرَضَتْهُ الأَوْجاعُ فَهْوَ سَقيمُ
فإذَا مَا لَبِسْتُهُ قُلْتُ: سُبْحا * نَكَ مُحْيِي العِظامِ وَهْيَ رَمِيمُ
طَيْلَسانٌ له إذا هَبَّتِ الرِّيـ * ـحُ عليهِ بِمَنْكِبَيَّ هَميمُ
أَذْكَرَتْنِي بَيتًا لِحَسَّانَ فِيهِ * حُرَقٌ للفُؤَادِ حِينَ أَقُومُ:
لَوْ يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مِنْ وَلَدِ الذَّرْ * رِ عَلَيْهَا لأَندَبَتْهَا الكُلُومُ
وقال أيضًا:
يَا قاتَلَ اللهُ ابنَ حَرْبٍ لَقَدْ * أَطالَ إتعابِي عَلَى عَمْدِ
بطَيْلَسَانٍ خِلْتُ أنَّ البِلَى * يَطْلُبُهُ بالوِتْرِ وَالحِقْدِ
أَجدُّ في رَفْوِي لَهُ، والبِلَى * يَلهُو بِهِ في الهَزْلِ والجِدِّ
ذكَّرَني الجنَّةَ لَمَّا غَدَا * أَصْحَابُها مِنْهَا عَلَى حَرْدِ
إنْ أتْهَمَ الرَّفَّاءُ في رَفْوِهِ * مَضَى بِهِ التَّمْزِيقُ في نَجْدِ
غَنَّيْتُهُ لَمَّا مَضَى رَاحِلاً: * يا وَاحِدِي تَترُكُني وَحْدِي!
وقال أيضًا فيه:
إنَّ ابْنَ حَرْبٍ كَسَاني * ثَوْبًا يُطيلُ انحرافَهْ
أظلُّ أدْفَعُ عنهُ * وأتَّقِي كُلَّ آفَهْ
فَقَد تعَلَّمْتُ مِنْ خَشيتي عَلَيْهِ الثَّقافَهْ
وقال أيضًا:
يابْنَ حَرْبٍ إنِّي أَرَى في زَوايا * بَيْتِنا مِثْلَ مَا كَسَوْتَ جَماعَهْ
طَيْلَسَانٌ رَفَوْتُهُ وَرَفَوْتُ الرَّفْوَ مِنْهُ حتَّى رَفَوْتُ رِقَاعَهْ
فأَطَاعَ البِلَى وصَارَ خليعًا * لَيْسَ يُعْطِي الرَّفَّاءَ في الرَّفْوِ طَاعَهْ
فإذَا سَائِلٌ رَآنِيَ فِيهِ * ظَنَّ أنِّي فتًى مِنَ اهْلِ الضّيَاعَهْ
وقال فيه:
طَيْلَسانٌ لابْنِ حَرْبٍ * يَتَداعَى لا مِسَاسَا
قَدْ طَوَى قَرْنًا فَقَرْنًا * وَأُنَاسًا فأُناسَا
لَبِسَ الأيَّامَ حتَّى * لَمْ تَدَعْ فِيهِ لِباسَا
غَابَ تَحْتَ الحسِّ حتَّى * لا يُرَى إلاَّ قِياسَا
[مُقتطَف مِن كتاب " زَهْر الآداب وثَمَر الألباب "].