ـ[أبو تميم التميمي]ــــــــ[17 - 06 - 2008, 01:29 ص]ـ
لماذا قَطف؟
للقطفِ معانٍ جميلة في التعبير بها، وهوَ بمعنى القطع، ولكن بلفظ القطف أروع وأحسن من القطع، ومنهُ قولهُ تعالى: (قطوفها دانية) فدلّ على أنّ القطفَ يكون للشيء الجميل. ومن المعاني الجميلة للقطفِ، أنّه يكونُ من أصل الشيء المقطوف منهُ. لهذا استعملتُ هذه الكلمة الحاملة للمعاني الرائعة فيما سأنثُره عليكم -إن شاء الله- على حلقاتٍ متداركةٍ، يجرّ بعضها بعضاً.
القطفُ الأولُ
أحبُّ أن أبتدأ هذا القطف من كلامِ الله -عز وجل- وهو أجلُّ من أنْ يُقطفَ منهُ، فمعانيه مُتسلسلةٌ لا يُمكن لبليغٍ فصلُها أو الإلمام بمعجزاتها أو أسرَارها البلاغيّة وقوّة بيَانها، ولكني زعمتُ أن القطفَ فيهَا يكونُ مجازاً لا بأس بهِ، مُتكئاً على قدرةِ البَشر!
قال تعالى: (وإذا سألكَ عبادي عنِّي فإني قريبٌ أُجيب دعوة الداع إذا دعان) الآية
سبب نزول هذه الآية: أن الصحابة -رضوان الله عليهم- سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أقريبٌ ربنا فنناجيهِ أم بعيدٌ فنناديهِ، فأنزل الله هذه الآية.
تأمُّل:: كلّ سؤال تعرّض له النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاءته الإبانة من الوحي فإن الله يقول فيه: (قل. .)، إلاّ هذه الآية فقد تولّى الله الإجابة بنفسه فقالَ: (فإني قريب أُجيب. .) لأن الصحابة سألوا عن الله وعن حالهم معهُ، فتولى الإجابة بنفسهِ -جل علاه- تكريماً للسائلينَ، فالله يُريد رفع الواسطة في الدعاءِ، حتى في إجابةِ السؤال، وهذا تعظيمٌ لشعيرةِ الدّعاءِ.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (أنا لا أحملُ همّ الإجابةِ ولكن أحملُ همّ الدعاء). إذاً المسألة في الدعاء متوقفةٌ على الدعاء نفسهِ!
قال الشافعي:
أتهزأ بالدعاءِ وتزدريه * * وماتدري بما صَنَع الدعاءُ
سهام الليل لاتخطي ولكن * * لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
فيُمسكها إذا ماشاء ربي * * ويُرسلها إذا نفذَ القضاءُ
أبو تميم التميمي
ـ[طالب طب]ــــــــ[17 - 06 - 2008, 08:04 ص]ـ
متابعون لقطفكـ أبا تميمـ ..
ومتلذذون بشهْد حروفكـ ..
شكر الله مسعاكمـ .. وردة1
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[18 - 06 - 2008, 11:29 ص]ـ
إنَّ كُلَّ قَطْفةٍ تقطِفُها مِنْ دَوَاني الجَنى، ونوَاضِرِ الأغصَانِ، تَقطِفُ بها مِنْ قُلُوبِنا الإعْجَابَ، وتستلُّ منها مُسْتَدَقَّ الاستِحْسَانِ؛ فهَذي قِفافُنا قرَّبنَاها إليكَ؛ فلا تَضَنَّ عَلينَا أنْ تملأَهَا؛ فإنَّ زَكاةَ العِلْمِ بثُّه، وإنَّ حقًّا على مَن آتاه الله قلمًا مُبينًا، ولسانًا فصيحًا أن يَّسْتَعملَه في مَوَاضعِ الخيرِ، ومجالي العدْلِ؛ فكم من كاتبٍ أحيَا بهِ اللهُ من أمةٍِ، ونشرَ بهِ من فضيلةٍ، وطوَى بهِ من مذَمَّةٍ، وقرَّبَ بهِ من شاردةٍ، وسخَّرَه؛ فانبعَثَ يُصلِحُ ما لا يُصلِحُه النَّفرُ من الرِّجالِ بأبدانِهم، وعقولِهم.
شكرًا لك يا حبيبَنا أبا تميمٍ.
أبو قصي
ـ[أبو تميم التميمي]ــــــــ[19 - 06 - 2008, 05:21 م]ـ
القطفُ الثّاني
قال صلى الله عليه وسلم (من يُرد الله بهِ خيراً يُفقهه في الدين) متفق عليهِ.
ومنهُ نعلم قطعاً، أنّ كل علمٍ لم يكن من الدين فليس بفقهٍ، ومن اشتغل بغيرهِ فليس ممن أراد الله بهِ خيراً أصالةً، وليس لهم من الأجر شيء، اللهم إلا إذا جعلوا من هذه العلوم قُرباتٍ، بعد استحضار قصدٍ ونيَّاتٍ!. فهذا الذهبي -رحمه الله- نجده يعيبُ التوسع في علم النحو بقولهِ: (النحويون لا بأس بهم، وعلمهم حسن محتاج إليهِ، لكن النحويّ إذا أمعن في العربية، وعريَ عن علم الكتاب والسنّة بقي فارغاً بطّالاً لعّاباً، ولا يسأله الله والحالة هذه عن علمهِ في الآخرة، بل هو كصنعةٍ من الصنائع: كالطب والحساب والهندسة، لا يُثاب عليها، ولا يُعاقب إذا لم يتكبر على الناس، ولا يتحامق عليهم، واتقى الله، وتواضع وصان نفسهُ). انتهى "زغل العلم" 39
فاعلم يارعاك الله، أنّ العلمَ إذا أُطلق، فإنّه لا يصدقُ إلا على العلم الشرعي فضلاً وكمالاً، أجراً ومآلاً، عزّاً وحالاً!، وما سواه من علوم الدنيا، فهي علوم مقيّدة بما تضافُ إليه، فالعلم الشرعي أصلٌ وغاية، وغيره من علوم الدنيا طارئٌ ووسيلة!
وأحسن ماذكره العلامة بن خلدون -رحمه الله- في (المقّدمة): (وأما العلوم التي هي آلة لغيرها، مثل العربية والمنطق وأمثالهما، فلا ينبغي أن يُنظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط، ولا يُوسّع فيها الكلام، ولا تُفرّغ المسائل، لأن ذلك يخرج بها عن المقصود، فكلما خرجت عن المقصود، صار الاشتغال بها لغواً، وربّما يكون ذلك عائقاً عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها، مع أن شأنها أهم، والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة، فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآليّة تضييعاً للعمرِ وشُغلاً بما لا يُغني!
وهذا كما فعله المتأخرون في صناعة النحو والمنطق بل وأصول الفقهِ، لأنهم أوسعوا دائرةَ الكلامِ فيها نقلاً واستدلالاً، وأكثروا من التفاريغ والمسائل بما أخرجها عن كونها آلةً، فإذا قطعوا العمرَ في تحصيل الوسائل فمتى يظفرون بالمقاصد؟!، فلهذا يجب على المعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها، ولا يستكثروا من مسائلها، ويُنبّه المتعلم على الغرض منها). انتهى بتصرّف 1/ 662
قال ابنُ أغْنسَ:
ما أكثر العلم وما أوسعه * * من الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالباً * * محاولاً فالتمس أنفعه
والناس هذه الأيام أحوج إلى العلم -الشرعي- منهم إلى الطعام والشارب، حين نطق فيها الرويبضة، ونعق بينها غراب الصحافة، مع نفثات المرجفين والمتعالمين!
. أبو تميم التميمي
¥