ملتقي اهل اللغه (صفحة 5738)

بين الرشيد وأبي العتاهية

ـ[عائشة]ــــــــ[23 - 06 - 2008, 02:38 م]ـ

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

قال محمَّد بن منصور البغداديّ: لمَّا حَبَسَ الرَّشيدُ أبا العتاهية؛ جَعَلَ عَليهِ عَيْنًا يأتيه بما يقول؛ فرآه يومًا قد كَتَبَ على الحائط:

أَمَا وَاللهِ إنَّ الظُّلْمَ لُؤْمٌ * وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي * وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ

فأخبر بذلك الرَّشيد؛ فبَكَى، وأحضَرَهُ، واستحلَّه، وأعطاه ألفَ دينارٍ.

- - - - - - - - - - - - -

وقال الأصمعيُّ: صَنَعَ الرَّشيد يومًا طعامًا كثيرًا، وزَخْرَفَ مجالسَه، وأحضَرَ أبا العتاهية، فقال له: صِفْ لَنَا ما نحن فيه مِن نعيم هذه الدُّنيا؛ فقال:

عِشْ مَا بَدَا لَكَ سَالِمًا * في ظِلِّ شاهِقَةِ القُصُورِ

فقال: أحسنتَ! ثُمَّ مَاذَا؟ فقالَ:

يُسْعَى عَلَيْكَ بِمَا اشْتَهَيْـ * ـتَ لَدَى الرَّواحِ وفي البُكُورِ

فقال: أحسنت! ثمَّ ماذا؟ فقال:

فَإذَا النُّفُوسُ تَقَعْقَعَتْ * فِي ظِلِّ حَشْرَجَةِ الصُّدُورِ

فَهُنَاكَ تَعْلَمُ مُوقِنًا * مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ

فَبَكى الرَّشيدُ، فقال الفضلُ بنُ يحيى: بَعَثَ إليكَ أميرُ المؤمنين لتسرَّه فحزنتَه! فقال الرَّشيدُ: دَعْهُ؛ فإنَّه رَآنا في عمًى؛ فَكَرِهَ أنْ يزيدَنا عمًى

- - - - - - - - - - - - -

وقال أبو العتاهية: دَخَلْتُ على هارون الرَّشيد، فقال لي: أبو العتاهية؟ قلتُ: أبو العتاهية، قالَ: الَّذي يقول الشِّعْر؟ قلتُ: الَّذي يقول الشِّعر، قال: عِظْني وأَوْجِزْ؛ فقال:

لا تَأْمَنِ الْمَوْتَ فِي طَرْفٍ وَلا نَفَسِ * وَإِنْ تَمَنَّعْتَ بِالْحُجَّابِ والْحَرَسِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ المَوْتِ قَاصِدةٌ * لِكُلِّ مُدَّرِعٍ مِنَّا وَمُتَّرِسِ

تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا * إنَّ السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ

قال: فخَرَّ الرَّشيدُ مغشيًّا عليه.

ـــــــــــــــ

انظُر:

"الكامل في التَّاريخ" لابن الأثير.

"مختصر تاريخ دمشق" لابن منظور.

"البداية والنهاية" لابن كثير.

ـ[مُسلم]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 01:32 م]ـ

جزاكِ اللهُ خيرا ... أختى ××× ... والله مواضيعك رائعة ...

# حرر #

ـ[حامل المسك]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 07:41 م]ـ

جزاكم الله خيرا أختنا الفاضلة ونفع الله بكم

ـ[بحر الدموع]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 01:42 م]ـ

ويروى عن الأصمعي أنه قال دخلت على هارون الرشيد فرأيته ينظر في الكتاب ودموعه تسيل على خديه فوقفت حتى سكن وحانت منه التفاتة فنظر إلي وقال اجلس ثم رمى بالقرطاس إلي فإذا فيه شعر لأبي العتاهية

(الخلق مختلف جواهره ... ولقل ما تزكو سرائره)

(ولقل من تصفو إرادته ... وصح باطنه وظاهره)

(الناس في الدنيا ذوو ثقة ... والدهر مسرعة دوائره)

(والموت لو صح اليقين به ... لم ينتفع بالعيش ذاكره)

(لا خير في الدنيا لذي بصر ... عميت لما فيها نواظره)

(وسبيلنا في الموت واحدة ... يتلو أكابره أصاغره)

(من كان للصالحات مدخرا ... فستستبين غدا ذخائره)

(يا من يريد الموت مهجته ... لا شك مالك لا تبادره)

(هل أنت معتبر بمن خربت ... منه العداة معا دساكره)

(وبمن أذل الدهر مصرعه ... فتبرأت منه عشائره)

(وبمن خلت منه أسرته ... وبمن خلت منه منابره)

(درست محاسن وجهه ونفى ... عنه النعيم ثرى يباشره)

(أين الملوك وأين غيرهم ... صاروا مصيرا أنت صائره)

(يا مؤثر الدنيا للذته ... والمستعد لمن يفاخره)

(نل ما بدا لك أن تنال من الد ... نيا فإن الموت آخره)

ثم قال الرشيد والله لكأني المخاطب بهذا دون الناس قال فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015