الجيدة، كما أن هناك بعض الحكايات الصغيرة التى استطاعت الكاتبة تقديمها بمهارة طيبة. لكن ذلك كله لا يصنع من العمل رواية جيدة، إذ الرواية الجيدة تحتاج إلى أشياء أخرى متعددة غير المشاهد والتقارير الجيدة.
إن شخصيات الرواية مثلا، وبخاصة شخصية البطلة، غير متسقة مع نفسها. فبطلتنا تقول كلاما كبيرا ضخما، لكنها عند التصرف تتصرف تصرفات صغيرة سخيفة. وهى تقول الشىء ونقيضه، وفى مساحة ضيقة جدا بحيث لا أدرى كيف عميت عنه فلم تلحظه، ومن ثم لم تصلحه. وهى مغرمة بالثرثرة، وتبدو فى تصرفاتها وكأنها مصرة على تدمير نفسها بالشعارات الخادعة والتمرد الطائش، والجرى وراء ما يضرها ويؤذيها كالفراش الذى يلقى بنفسه فى النار، حتى انتهى أمرها إلى التلاشى بعدما تمردت على زواجها وألقت بنفسها وكرامتها وعرضها تحت قدمى رجل سخيف تافه يحتقر جنس النساء ويلهو بهن كما يعبث الطفل بلعبه ويحطمها متى أراد دون أن يحسب للعواقب حسابا، رجل لا يقدرها ولا يبالى بها ولا يحترمها، ومع ذلك نراها ذائبة فيه، ولا تستطيع أن تطرحه من ذهنها حتى فى أشد لحظات حياتها تنافرا مع ذكراه كما هو الحال حين راحت تناجيه أثناء أخذ العزاء فى أمها، رجل من الذين يلعبون الثلاث ورقات ويلبسون لبوس المدافعين عن حقوق الإنسان، كسر الله حُقَّه، وهو ما يكشف عن خواء شخصيتها وتفاهتها رغم كل الشعارات الصاخبة التى تخدع نفسها وتحاول أيضا أن تخدعنا نحن القراء بها.
وهناك إسهال كلامى شديد فى كثير من صفحات الكتاب تروح البطلة خلاله فى نوبات من التطوح اللغوى يذكرنا بالدراويش حين يأخذهم الوجد، بل التواجد بالأحرى، فينخرطون فى التمايل يمينا وشمالا صارخين ضائعين. فكذلك بطلتنا حين تمسك قلمها وتصف مشاعرها أو تناجى حبيبها. إنها ساعتئذ تمطر القارئ بالعبارات المهوشة المائعة التى تفتتن هى بها وبما فيها من طنطنات قبل أى شخص آخر، ولا تبالى بخوائها من المعنى المفيد. إن العبارات تصبح هدفا فى حد ذاتها، ولا يهم المعنى، بل المهم الكلام الإنشائى المعسول. وهذا الكلام الفارغ من المضامين ذات القيمة هو السبب فى ذلك التلاشى الذى انتهى أمرها إليه فى نهاية الرواية، إن جاز أن نسمى ذلك العمل: رواية.