ـ[حمد القحيصان]ــــــــ[29 - 06 - 2008, 09:53 م]ـ
تَرِدُ عَلى بَعضِ الألْسُنِ عِبارَةُ (أُسقِطَ في يَدِهِ) فَما مَعناها يَرحَمُني اللهُ وَإيَّاكُم؟
وَما أصلُها؟
ـ[عائشة]ــــــــ[19 - 06 - 2009, 08:29 م]ـ
بارك الله فيكم.
وفي التَّنزيل: ((وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ)) [الأعراف: 149].
قالَ السَّمين الحلبيُّ - رحمه الله - في «الدُّرِّ المصون» (5/ 461 - 464):
(ونقل الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ أنه يُقال: سُقِطَ في يَدِهِ، وأُسْقِطَ - أيضًا -، إلاَّ أنَّ الفرَّاء قال: سقط - أي الثلاثي - أكثرُ وأجودُ. وهذه اللَّفظةُ تُسْتعمَلُ في التندُّم والتحيُّر. وقد اضْطربَتْ أقوالُ أهل اللُّغَةِ في أصلها؛ فقال أبو مروان بن سراج اللُّغوي: «قولُ العرب: (سُقِط في يده) مِمَّا أعْيَانِي معناهُ»، وقال الواحِديُّ: «قَدْ بَانَ مِنْ أقوالِ المُفسِّرينَ وأهْلِ اللُّغةِ أنَّ (سُقِطَ في يدهِ) نَدِم، وأنَّه يُسْتعملُ في صفة النَّادمِ». فأمَّا القولُ في أصلِهِ، وما حَدُّه؛ فلمْ أرَ لأحَدٍ من أئَّمةِ اللُّغةِ شَيْئًا أرْتَضِيه؛ إلاَّ ما ذكر الزَّجَّاجيُّ؛ فإنَّه قال: «قوله تعالى: ((سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ)): بمعنى نَدمُوا، نظمٌ لم يُسمع قبلَ القرآن، ولَمْ تعرفْهُ العربُ، ولَمْ يُوجَدْ ذلك في أشعارِهِم، ويدُلُّ على صحَّةِ ذلك أنَّ شعراء الإسلام لَمَّا سَمِعُوا هذا النَّظْمَ واستعملُوهُ في كلامهم؛ خَفِي عليهم وَجْهُ الاستعمال؛ لأنَّ عادتَهُم لمْ تَجْرِ بِهِ؛ فقال أبو نُواس:
* ونَشْوَة سُقِطْتُ مِنْهَا فِي يَدِي *
وأبُو نواس هو العالمُ النِّحْرِيرُ؛ فأخطأ في استعمال هذا اللَّفظ؛ لأنَّ (فُعِلْتُ) لا يُبْنَى إلاَّ من فعل مُتعَدٍّ، و (سَقَطَ) لازمٌ، لا يتعدَّى إلاَّ بحرفِ الصفةِ؛ لا يقالُ: (سُقطتُ) كما لا يُقال: رُغبتُ، وغُضِبتُ، إنَّما يُقَال: رُغِبَ فيَّ، وغُضِب عَلَيَّ، وذكر أبُو حاتمٍ [أن] (سُقِط فلانٌ في يده) بمعنى ندم. وهذا خطأٌ مثلُ قول أبي نُوَاس، ولو كان الأمرُ كذلك؛ لكان النَّظْم: (وَلَمَّا سُقِطُوا في أَيْدِيهِمْ)، و (سُقِطَ القومُ في أيديهم).
وقال أبُو عُبيدة: «يُقَالُ لِمَن نَّدِمَ على أمْرٍ وعجز عنه: سُقِطَ في يده».
وقال الواحِدِيُّ: «وذِكْرُ اليد ههنا لوجهين؛ أحدهما: أنه يُقال للَّذي يَحْصُل - وإن كان ذلك مِمَّا لا يكُون في اليد -: (قَدْ حصلَ في يده مكروهٌ)، يُشَبِّهُ ما يحصُلُ في النَّفس وفي القلب بِمَا يُرَى بالعينِ، وخُصَّت اليدُ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ مباشرةَ الذُّنُوبِ بها، فاللائمةُ ترجع عليها؛ لأنَّهَا هي الجارحة العُظْمَى؛ فيُسْنَدُ إليها ما لم تُباشِرْ؛ كقوله: ((ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ))، وكثيرٌ من الذُّنُوب لمْ تُقدِّمهُ اليد. الوجه الثاني: أنَّ النَّدَمَ حَدَثٌ يَحْصُلُ في القلب، وأثرُهُ يَظْهَرُ في اليد؛ لأنَّ النَّادِمَ يَعَضُّ يدَهُ، ويضربُ إحْدَى يديْه على الأخرى؛ كقوله: ((فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ))؛ فتَقْلِيبُ الكفِّ عبارةٌ عن النَّدم، وكقوله: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)). فلمَّا كان أثرُ النَّدم يحصُل في اليدِ مِن الوجهِ الذي ذَكَرْنَاه؛ أُضيف سقوطُ النَّدم إلى اليَدِ؛ لأنَّ الذي يَظْهَرُ للعُيُونِ من فِعْلِ النَّادم: هو تَقْلِيبُ الكفِّ، وعَضُّ الأنامل واليدِ؛ كَمَا أنَّ السُّرُورَ معنى في القلب يسْتَشْعره الإنسانُ، والذي يظهرُ من حالة الاهتزاز، والحركة، والضَّحك، وما يَجْرِي مجراه».
وقال الزمخشريُّ: «((وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ))؛ أي: ولمَّا اشتدَّ ندمهم؛ لأنَّ مِنْ شأن من اشتدَّ ندمُهُ وحَسْرَتُهُ أن يَّعَضَّ يدهُ غمًّا؛ فتصير يده مَسْقُوطًا فيها، لأنَّ فاه قد وَقَعَ فيها».
وقيل: مِنْ عادةِ النَّادمِ أن يُطَأطِئَ رَأسَهُ، ويضع ذقنه على يده معتمدًا عليها، ويصير على هيئةٍ لو نُزِعت يده لسقط على وجهه، فكأنَّ اليدَ مَسْقُوطٌ فيها.
ومعنى (في): (على)؛ فمعنى ((في أيديهم)): علَى أيديهم؛ كقوله: ((وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)).
وقيل: هو مَأخُوذٌ من السِّقاط؛ وهو كثرةُ الخَطَأ، والخَاطِىءُ يَنْدَمُ على فعلهِ؛ قال ابنُ أبي كاهل:
كَيْفَ يَرْجُونَ سِقَاطِي بَعْدَمَا * لَفَّعَ الرَّأسَ بياضٌ وصَلَعْ
وقيل: هو مأخوذٌ من السَّقيط؛ وهو ما يُغَشِّي الأرض من الجَليدِ يُشْبِه الثَّلْج؛ يقال منه: سَقَطَتِ الأرْضُ؛ كما يُقَال: ثلجت، والسَّقْطُ والسَّقِيطُ يذُوبُ بأدْنَى حرارةٍ ولا يبقى، ومن وَّقَعَ في يده السَّقِيط؛ لمْ يَحْصُل منه على شيءٍ؛ فصار هذا مثلاً لكُلِّ من خَسِرَ في عاقبته، ولمْ يَحْصُل من بغيته على طائلٍ.
واعْلَمْ أنَّ (سُقِطَ في يده) عدَّهُ بعضُهم في الأفعال الَّتِي لا تتصرَّف؛ كـ (نِعْمَ وبِئْسَ).
وقرأ ابْنُ السَّمَيْفَع: (سَقَطَ في أيديهم) مبنيًّا للفاعلِ، وفاعلُه مُضْمَرٌ؛ أي: سَقَطَ النَّدمُ؛ هذا قولُ الزَّجَّاجِ. وقال الزمخشريُّ: «سَقَطَ العَضُّ». وقال ابنُ عطيَّةَ: «سَقَطَ الخسران، والخيبة». وكلُّ هذه أمثلةٌ.
وقرأ ابنُ أبي عبلة: (أُسْقِطَ) رُباعيًّا، مبنيًّا للمفعول، وقد تقدَّم أنَّها لغةٌ نقلها الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ) انتهى
¥