ملتقي اهل اللغه (صفحة 4169)

نشأة اللغة

ـ[هاني علي الهندي]ــــــــ[20 - 08 - 2009, 12:41 ص]ـ

نشأة اللغة:

هاني علي الهندي

قبل الحديث عن نشأة اللغة لابد من معرفة معنى اللغة كما عرّفها علماء الكلام فقالوا: هي أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم (1)،وهي عند اليونان والرومان تعني الوعاء للفكر أو مرآة عاكسة له، وعند الفلاسفة وأهل المنطق هي وسيلة للاتصال والتواصل أو لنقل الأفكار والعواطف والرغبات بواسطة أصوات أو رموز صوتيّة، ومن المحدثين قال سابير (2): هي وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية لتوصيل الأفكار والانفعالات والرغبات بواسطة رموز تصدر بطريقة إراديّة.

ولعلّه من المفيد الإشارة إلى أن هؤلاء العلماء يتّفقون مع رأي ابن جنّي في تعريف اللّغة مع اختلافهم معه في نشأتها وأصل الكلام، فقد بحث القدماء في أصل الكلام ونشأته منذ القدم وأجروا تجاربهم وأبحاثهم دون أن يتوصّلوا إلى نتيجة ثابتة، حيث ادّعى كلُّ عالم أن لغته هي أصل اللغات، ومنهم من اعتقد في الأدلّة النقلية من الكتب السماوية فقال: إن جميع الناس كانوا على لغة واحدة وأرادوا أن يبنوا لهم مدينة عظيمة فيها بروج تطاول السماء، فبلبل الله ألسنتهم وجعلهم فرقاً لا يفهم بعضهم بعضا ثم شتتهم في أنحاء الأرض بألسنة مختلفة، ومنهم من قال أن اللغة المصريّة القديمة (3) هي أصل اللغات، وقد أراد أحد الفراعنة أن يثبت ذلك فأمر بعزل طفلين عن العالم منذ ولادتهما، وأمر بتقديم الطعام والكساء لهما بصمت حتى لا يسمعان من الناس كلاماً، وبعد شهور سمعهما ينطقان بأوّل كلمة مسموعة تتكوّن من أصوات كالتي ينطق بها الإنسان، فظنّ أنّ هذه الكلمات لابد أن تكون في اللغة المصريّة القديمة، إلا أن ظنّّه خاب عندما علم أن إحدى الكلمات كانت تعني في الفريجيّة إحدى اللغات القديمة الخبز.

نظريّات نشأة اللغة

انقسم العلماء في نشأة اللغة، أدّى هذا الانقسام إلى ظهور عدة نظريّات منها:

أولاً: التوقيف والإلهام

يرى أصحاب هذا القول أنّ أصل اللغة الإنسانية يرجع إلى الهام الهي (4) هبط على الإنسان فعلّمه النطق وأسماء الأشياء، وهذا ما ذهب إليه فلاسفة اليونان هيروقليطس وأفلاطون في العصور القديمة، وقال به أهل التوقيف من علماء المسلمين الذين احتجوا في قوله تعالى: " وعلّم آدم الأسماء كلّها ثم عرضها على الملائكة " [البقرة 30]، وقد فسّروا هذه الآية بقولهم: أن الله علّم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات؛ العربيّة والفارسيّة والسريانيّة والعبرانيّة والروميّة وغيرها، فتكلّم أبناء آدم هذه اللغات، وبعد أن تفرّقوا في أرجاء الأرض نطق كل ّواحد منهم بلغة من هذه اللغات (5). وهذا يعني أن أبناء آدم الذين تفرّقوا في أرجاء الأرض كانوا قد تعلّموا كل الكلمات، وهم يعرفون أسماء كل ما كان وسيكون في المستقبل، دون وجود لهذه الأشياء في الواقع، وهذا ضرب من المستحيل.

تصدّى لأهل التوقيف من قالوا بالاصطلاح فحاججوهم بآرائهم وقالوا: إن الألفاظ لا تدلّ بالضرورة على المسمّى، كما أنّ تنوّع اللغات يشهد عدم وجود علاقة بين الاسم والمسمّى ولو ثبت ما قاله أهل التوقيف

لاهتدى كلّ إنسان إلى كل لغة، ولما صحَّ وضع اللفظين للضدّين؛ كالجون للأبيض والأسود (6).

من أبرز القائلين بالتوقيف من علماء المسلمين ابن فارس في كتابه الصاحبي، أما من علماء اللغة في العصر الحديث، الذين اعتقدوا في إلهامية اللغة؛ الأب الفرنسي لامي والفيلسوف الفرنسي دو بونالد.

ثانياً: الاصطلاح والمواضعة

يرى أصحاب هذا أن اللغة استحدثت بالتواضع والاتفاق، صاحب هذا الرأي الفيلسوف اليوناني ديموقريطس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد ذهب مذهبه كوندياك وآدم سمث وريد، اتفق معه من علماء العرب القدماء أهل الاصطلاح فقالوا: كان يجتمع بعض الحكماء (7) فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومة، فيضعوا لكلِّ واحد سمة ولفظاً إذا ذُكر عُرف به ما سمّاه ليمتاز به عن غيره، فكأنّهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومأوا إليه وقالوا إنسان .. إنسان، فأي وقت سُمع هذا اللفظ، عُلم أن المراد به هذا الضرب من المخلوقات.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015