ـ[محمد تبركان]ــــــــ[04 - 05 - 2012, 10:02 م]ـ
المُتَوَفِّي (1) أم المُتَوَفَّى (2): أمّا الأوّل على (صيغة اسم الفاعل من غير الفعل الثُّلاثي) (3):وهو الله تعالى، الّذي يَتوفَّى الأنفسَ حين موتِها. قال عزَّ شأنُه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (4).
وأمّا الثاني (على صيغة اسم المفعول من غير الفعل الثّلاثي) (5):وهو الإنسانُ الّذي اِستوفَى اللهُ عزّوجلَّ مدَّةَ حياتِه، فلم يَبْقَ له منها شيءٌ؛ فحَلَّ أجلُه لانقضاءِ عُمْرِه.
ذا، هو الفارق بين اللّفظتين في لسان العرب، وبينهما من التّباين في الدّلالة ما علمتَ من التّباين بين الخالق، والمخلوق.
وعليه؛ فاحذرْ زَلَّةً من لَحْمَة بين شِدقيْن تجمع في رَسْمِها بين دلالتين.
وقد وقعت فيه لطائف يحسُن إيرادُها وهي:
1. حُكِيَ (6) أنّ بعضَهم حضرَ جنازةً فسأله بعضُ الفضلاء وقالَ: مَنِ المُتَوَفِّي؟. بكسر الفاء [المُشدَّدة]،فقال: اللهُ تعالى، فأنكرَ ذلك، إلى أن بُيِّنَ له الغلط. وقال: قُلْ: مَنِ المُتَوَفَّى بفتح الفاء [المُشَدَّدَة].وبعضُهم يذكر أنّ المسؤولَ هو: عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
2. (وممّا يُذكَرُ في هذا السِّياق كذلك ما رواه أحد اللُّغويّين قال: مررتُ في طريقي فرأيتُ جنازةً تُشَيَّعُ، وسمعتُ رجلاً يسألُ: مَنِ المُتَوَفِّي " بالياء "،فقلت له: اللهُ سبحانه وتعالى؛ فضُرِبتُ حتّى كِدْتُ أموتُ) (7).
3. وفي محاضرات الأدباء (1/ 1 /66) قال الأصبهانيّ: (ومرَّ رجلٌ بدار ميِّتٍ فقال: مَنِ المُتَوَفِّي؟.فقالَ له رجلٌ: اللهُ. فقالَ له: يا كافر، اللهُ يموتُ؟.فقالَ: لعلَّكَ تُرِيدُ المُتَوَفَّى؟.).
هذا، وقد أجاز في معجم الأخطاء الشّائعة (ص271) على مَضَض أن يُقالَ: تَوَفَّى فلانٌ (8) اِعتمادا على:
أ- * أنّ الإمام عليّا رضي الله عنه يقرأ الآية الكريمة 234 من سورة البقرة: (وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ …) بالبناء للفاعل.
والجواب: أنّ معنى الآية الكريمة على قراءة البناء للمعلوم هو: استيفاءُ الأجل، والفعل تَوَفَّى هو مِن تَوْفِيَةِ العَدَدِ، وليس مِنْ الوفاة، يَدُلُّ على ذلك أمورٌ منها:
* ما جاءَ في ملحق دُرَّة الغوّاص (ص290):" ومنه قول منظور الوبريّ (9):
إِنَّ بَنِي الأَدْرَدِ لَيْسُوا مِنْ أَحَدْ … وَلاَ تَوَفَّاهُمْ قُرَيشٌ فِي العَدَدْ
ونظيرُه قولُه تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (10)،وهو مِن تَوْفِيَةِ العََدَد، وليس مِن الوفاة، أي يَقبضُ أرواحَكم أجمعين بأمرِ ربِّه، فلا يُنقِصُ واحدًا منكم، كأنْ تقول: تَوَفَّيْتُ مِن فلانٍ مالي واِستَوْفَيْتُهُ، أي: لم يَبْقَ لي عليه شيءٌ منه … ".
* وقال في المعجم الوسيط (ص1047): (تَوَفَّى … فلانٌ حقَّه: أخذه وافِيًا. ويُقالُ: تَوَفَّيْتُ منه مالي: لم يَبْقَ عليه منه شيءٌ. و [تَوَفَّى] المُدّة: بَلَغَها واِسْتَكْمَلَها. وتَوَفَّى عَدَدَ القومِ: عَدَّهَم كُلَّهُم).
* قال العلاّمة بكر بن عبد الله أبو زيد في معجم المناهي اللّفظيّة (492): (وفي قوله تعالى:" وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ …" (11)
قراءتان، بالبناء للمعلوم وللمجهول. وأنّها على قراءة المبني للمعلوم " يَتَوَفَّوْنَ " بمعنى "اِسْتِيفَاء الأجل" قاله ابن النَّحّاس (12) وغيرُه. واللهُ أعلمُ).
ب- أنّ الوجهَ في تَخطِئةِ العامِّي كونه ليس من أهل القصد والتّأويل، أي أنّ الإمامَ حدَّثَ السّائلَ بما يَقْتضيه الحالُ، وما يَسْتوعِبُه لُبُّه.
والجوابُ:
* أنّ الرِّوايةَ ورد فيها:" بعض الفضلاء".فلا يمكن اعتبار الرّجل من عوامّ النّاس.
* أنّ الأصلَ في كلام الإمام رضي الله عنه أن يُحمَلَ على حقيقتِه، وذلك باعتبار ما بدر منه تَقْوِيمًا للسان ذاك الرّجل الفاضل. وأمّا العُدول به إلى ضربٍ من التّأويل فليس يُقبلُ إلاّ إذا دلَّ عليه المقامُ، أو بعضُ قرائن الأحوالِ.
¥