ملتقي اهل اللغه (صفحة 3738)

القَفَص: بين العربية واليونانية

ـ[نواف]ــــــــ[05 - 08 - 2013, 03:10 ص]ـ

البسملة1

تقبل الله منا ومنكم صامكم وقيامكم وجعلنا من عتقاء هذه الشهر الفضيل. الدخيل في العربية وعلم التأثيل مما يستهويني ومن خلال نقاشات لي في الشابكة تطرقنا إلى كلمة قفص وهل هي من الدخيل أم أنها عربية فصيحة؟

وفي نقاش لي مع أحد الفرس ذكر لي أن كلمة قفص العربية - وصيغتها الفارسية قفس - بمعنى محبس للطيور يكون أَعوادًا متشابكة من جريد وغيره، ليستا من العربية بل دخيلتان من اليونانية. وكان ما ذكره باعتماداً على ما ذكره الدكتور حسن عميد صاحب المعجم الفارسي الشهير "فرهنگ فارسي عميد" (معجم عميد الفارسي) من أن قفس الفارسية وقفص العربية من اليونانية ?????? (كفاسي). وهذا نص ما ذكره الدكتور حسن عميد:

قفس:

(اسم) [معرب، مأخوذ از يوناني] ‹قفص› (qafas) جايگاه مشبک چوبي يا فلزي کهـ براي پرندگان يا حيوانات وحشي درست کنند.

وترجمته:

(اسم) [معرّب مأخوذ من اليونانية] ‹قفص› (qafas) موضع مشبّك يتخذ للطيور والحيوانات البرية.

ولم أطمئن إلى ما ذكره لأن كثيراً من المعجميين يميلون إلى مثل هذا الطرح عند تأثيل الكلمات العربية، فينسبون المفردة العربية إلى السريانية، أو الفارسية، أو العبرية، أو اليونانية، أو إلى غيرها؛ بناءً على تشابه اللفظ وتوافق المعنى أو قربه من المعنى العربي. وهذا بلا شك مخالف للإنصاف العلمي ولأدبيات علم التأثيل. وعندما ننظر في المعجمات العربية وما ذكرته حول كلمة "قفص" فإننا نجد ما يلي ورد في اللسان ما يلي:

القَفَصُ واحدُ الأَقْفاصِ التي للطير. والقَفَصُ شيء يُتَّخذُ من قصب أَو خشَبٍ للطير. والقَفَصُ خشبتان مَحْنُوّتان بين أَحْنائِهما شبَكةٌ يُنْقَل بها البُرُّ إِلى الكُدْسِ.

أما في القاموس المحيط فالقفص بالتحريك: مَحْبِسُ الطَّيْرِ. وأقْفَصَ: صارَ ذَا قَفَصٍ من الطَّيْرِ. وثَوْبٌ مُقَفَّصٌ، كمُعَظَّمٍ: مُخَطَّطٌ كهيئةِ القَفَصِ.

ونجد ابن فارس في المقاييس يقرّر أن القاف والفاء والصاد كلماتٌ تدلُّ على جمعٍ واجتماع. وأن العرب تقول: تقفّص، إذا تجمَّع، وقَفَّصتُ الظّبْيَ، إذا شددتَ قوائمَه جميعاً. ونقل الأزهري عن الليث:"القفص شيءٌ يُتخذ من قصبٍ أو خشب للطير"

أما ابن دريد فقد ذكر اشتقاق القِفِص فقال: والقَفْص: قَفْصُك الشيءَ إذا جمعتَه وقرنتَ بعضَه الى بعض. وقَفَصْتُ الدابّةَ، إذا شددتَ أربع قوائمه؛ وكذلك قَفَصْتُ يَعسوبَ النحل، إذا شددته في الخليّة بخيط لئلا يخرج. وكل شيء اشتبك فقد تقافص، ومنه القَفَص المعروف.

ونجد في السريانية الآرامية - شقيقة العربية - مفردة (??????) (قپصا) - أو قفصا - بذات المعنى العربي.

وأما الكلمة اليونانية التي يقال أنها أصلاً لمفردة قَفَص العربية فهي ?????? (كفاسي)، وقد بحثت عنها في معاجم الإغريقية (اليونانية القديمة) فلم أجدها، مما يشير إلى أنها كلمة حديثة في اليونانية. بل وجدت معجم ?????? ??? ?????? ???????????? (ليكسيكو تيس كويْنيس نيوإلّينكيس) "معجم اليونانية المعيارية الحديثة" وهو معجم يوناني مفصل تصدره جامعة أرسطو في مدينة سالونيك اليونانية، يذكر أنها كلمة دخيلة في اليونانية من أصل عربي عبر التركية Kafes وهذا نص تأثيلها باليونانية:

[???. ?????? < ?????. kafes (??? ?? ????.) ???????. kafas -?].

ويذكر هذا المعجم أن لكلمة ?????? معنيين في اليونانية هما:

1. صندوق خشبي تحمل فيه الفاكهة.

2. شعرية النوافذ (المشربية الحجازية): وهي شبكة خشبية كما ذكر ذات المعجم تستخدم في بيوت المسلمين أو في مخازن غلال الكنيسة لمنع الرجال من رؤية النساء!

والذي أميل إليه أن كلمة قفص عربية فصيحة مليحة وأن ?????? اليونانية مأخوذة من العربية عبر التركية وأصبحت دلالتها مختلفة، والقفص في اليونانية يسمى ?????? (كلو?ي) - حسب النطق الحديث - وأما ما ذهب البعض إلى أن قفص ليست عربية وأنها من اليونانية (كاپسيس) ????? وتعني صندوق صغير، أو من اللاتينية capsa " كَپسا" وتعني صندوق فإني أراه من التعسف والجهل فاشتقاق قفص في العربية واضح وقوي ويدل على أصالة هذه المفردة. ويقوي القول بفصاحة قفص كون السريانية تستخدم ذات المفردة لذات المعنى وهما لغتان شقيقتان تتوافقان في كثير من المفردات مما يجعل كثير ممن يتكلم في الدخيل ينسب كل توافق بينهما إلى السريانية، وهذا أمر خاطئ إلا فيما تختص به السريانية من مفردات دينية تختص بها النصرانية وما أشبه ذلك.

هذا ويسعدني تفاعلكم ومداخلاتكم.

محبكم /نواف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015