ملتقي اهل اللغه (صفحة 3685)

السّخريّة بتشديد الياء لا بتخفيفها

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[25 - 04 - 2014, 01:29 م]ـ

البسملة1

السُّخريَّة بتشديد الياء، لا بتخفيفها

(السُّخريَّة) مصدرُ (سخِرَ). وهي بتشديد الياءِ ليس غير. وقد أولِعت العامَّة، والخاصَّة بتخفيفِها. وهو لَحن فاشٍ لم أقِف على مَن نبَّهَ عليه من جميعِ من صنَّفوا في التصحيحِ اللُّغويِّ. والذي أوقعَهم في هذا اللَّحنِ، وتسفَّهَهم عن دَرك الصَّوابِ فيه أنَّهم لا يَنفكُّون يَرون هذه الكلِمةَ مضبوطةً في بعضِ معجَماتِ العربيَّةِ، وأسفارِها المطبوعةِ بتخفيفِ الياءِ ضبطَ رَسمٍ، لا ضبطَ نصٍّ، فاعتقَدوا صحَّتَه، وأنِسوا إليه، ولم يَخلِجهم فيه شَكٌّ يندُبُهم إلى البحثِ في بصيرةِ أمرِه.

ولا جرمَ أنَّ هذا الضبطَ خطأ إمَّا مِن بعض النُسَّاخِ، وإمَّا مِن تصرُّفِ المحقِّقين، واجتهادِهم ركونًا إلى طولِ الإلْفِ معَ قلَّة التثبُّتِ، والأناةِ، أو اعتمادًا على ضبطِها في الكتبِ المطبوعة.

،،،وأنا أسوقُ الآنَ الأدلَّة على أنَّها بتشديدِ الياءِ لا بتخفيفِها. ولن أوردَ إلا النصوصَ الصريحةَ القاطعةَ غيرَ محتجٍّ بشيءٍ من الضبطِ المجرَّدِ لما بيَّنتُ، علَى أنَّها ثابتةٌ في أكثرِ المخطوطاتِ الصِّحاحِ بالتشديدِ (1). وهي أربعة:

1 - النصُّ على أنَّ في آخرها ياءَ النِّسبة. وياءُ النِّسبةِ مشدَّدة غيرَ شكٍّ. ومن مَّن ذكرَ ذلكَ ابنُ دُرُستوَيهِ (ت 347هـ)، قالَ: (ومصدرُه السُّخريَّة، كأنها منسوبةٌ إلى السُّخرة ... كما يقالُ: العُبوديَّة، واللُّصوصيَّة) (2). وقالَ أبو هلالٍ العسكريُّ (ت 395هـ): (والمصدر السُّخريَّة، كأنها منسوبةٌ إلى السُّخرة، مثل العُبُوديَّة، واللُّصوصيَّة) (3). وذكرَها أيضًا نشوانُ الحميريُّ (ت 573هـ) في باب المنسوبِ مقرونةً إلى (سخريّ) (4).

2 - التمثيلُ لها بما هو متيقَّنُ البِنية. وذلك من جهةِ الاتِّفاقِ في لَحاق ياءِ النِّسبة. وقد مثَّلوا لها بالعُبُوديَّة، واللُّصوصيَّة كما مرَّ. ومن جهةِ الاتِّفاقِ التامِّ في وزنِ البِنيةِ. وقد مثَّلَ لها الرَّازيُّ (ت بعد 666هـ) بـ (العُشْريَّة)، فقالَ: (والاسمُ السُّخْريَّة بوزنِ العُشْريَّة) (5)، ومثَّلَ لها ابنُ معصومٍ (ت 1120هـ) بـ (تُرْكِيَّة)، فقال: (والاسمُ السُّخريَّة كتُركِيَّة) (6).

3 - وزنُها وزنًا صرفيًّا. وقد صنعَ ذلك ابنُ المؤدِّب (ت نحو 350هـ) إذ سرَدَ أبنِيةَ المصادرِ، وذكرَ منها (وفُعْليَّة نحو سُخْريَّة) (7). وتابعَه ابنُ القطَّاع (ت 515هـ)، فعرضَ مصادرَ الثلاثيِّ، وذكرَ منها (وعلَى فُعْليَّة نحو سُخْريّة) (8). وصحيحٌ أنَّ ذلك ضبطُ قلمٍ بيدَ أنَّ بِنية (فُعْليَّة) ثابتةٌ في بِنَى المصادرِ بلا ريبٍ. وقد ذكرها عددٌ من النُّحاةِ، ومثَّلوا لها بـ (حُقْريَّة) (9). و (حُقْريَّة) على وزنِ (فُعْليَّة) قطعًا (10). ولم يذكر أحدٌ قطُّ (فُعْلِيَة) بالتخفيفِ في أبنيةِ المصادرِ، فوجبَ أن يكونَ هذا نصًّا على أن وزنَ (سُخْريَّة) هو (فُعْليَّة) بالتشديد.

4 - تسويتُها بلفظِ المذكَّرِ في ما خلا التأنيثَ. وذلكَ قولُ صاحبِ "العينِ": (والسُّخريَّة مصدرٌ في المعنيين جميعًا. وهو السّخريُّ أيضًا. ويكونُ نعتًا كقولِك: هم لكَ سخريٌّ، وسُخريَّةٌ، مذكَّرٌ، ومؤنَّثٌ) (11). وزادَ أبو منصورٍ (ت 370هـ) في "التهذيب" نقلًا عن "العين"، وسقطَ من المخطوطةِ: (مَن ذكَّر قالَ: سخريّ. ومَن أنَّثَ قالَ: سُخريَّة) (12). وأنت تراه لزَّ (السّخريّ)، و (السُّخريَّة) في قرَنٍ واحدٍ، وسوَّى بينَهما. ولو كانَت (السُّخريَّة) مخفَّفةَ الياءِ، لجلَّى عن ذلكَ، وبيَّنَه.

وأنصعُ من هذا دلالةً قولُ ابنِ سيده (ت 458هـ): (وكذلك سِخريّ، وسُخريَّة. مَن ذكَّرَه كسرَ السِّين. ومَن أنَّثَه ضمَّها) (13)، فلم يذكر بينَهما فرقًا غيرَ اختلافِهما في التذكيرِ، والتأنيثِ إلا أنَّ المذكَّرَ مكسور السّين، والمؤنّث مضمومها. ولو كانَا يختلِفان أيضًا في تشديدِ الياء، وتخفيفها، لما فاتَه الإبانةُ عنه، والتنبيهُ عليهِ. وإذن فياء (السُّخريَّة) مشدَّدة كياءِ (السّخريّ).

،،،هذا جملةُ القولِ في أدلَّة التشديدِ. وقد وقعَ في كتاب "الأوائلِ" (14) لأبي هلالٍ العسكريِّ بيتٌ نسبَه إلى الأعشَى، وهو قولُه:

لا تلُمني ربَّ العبادِ، فما كُوْ ... وِنتِ إلا سُخريَّةً لِلعِبادِ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015