ملتقي اهل اللغه (صفحة 3660)

الدرس الثالث: الهمزة في أول الكلمة

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[27 - 10 - 2008, 10:23 ص]ـ

قد تقدَّمَ الكلامُ على الهمزةِ، وذكرنا أنَّه ليس لها صورةٌ ثابِتةٌ. وإذْ كانت الهمزةُ تقعُ أولاً، ووسَطًا، وآخِرًا، فسنعرِضُ للتفصيلِ في أحوالِها هذه جميعًا بإذن الله.

أولاً:

الهمزةُ في أوَّل الكلمة

اعلمْ أنَّ الأصلَ في الهمزةِ أن تُنطقَ في البدءِ، والوصلِ؛ أي: إذا بدأتَ بها كلامَك، وإذا تقدَّمَها كلامٌ؛ حالُها في ذلكِ حالُ سائرِ الحروفِ؛ فتقولُ مثلاً في الاسمِ: (هذا أمرٌ)، وفي الفعلِ: (لا أفعلُ)، وفي الحرف: (لي أو لكَ)؛ فقد رأيتَ بالتجرِبةِ أنّك نطقتَ الهمزةَ في الحالينِ، حالِ الوصلِ، وحالِ البَدءِ. وتسمَّى حينَ إذٍ (همزةَ قطعٍ). وتقعُ في أولِ الكلمةِ، ووسطها، وآخرِها. فإن وقعت في أولِ الكلمةِ، فإنْ كانت مفتوحةً، كـ (أَحمد)، أو مضمومةً، كـ (أُجاج)، كُتِبت فوقَها. وإن كانت مكسورةً، كـ (إيمان)، كُتِبت تحتَها. وإنَّما لزِمت الألفَ، لأنَّ الهمزةَ لا تُخفَّف إذا كانت في أوَّل الكلمةِ؛ فلذلك بقِيت صورتُها واحدةً.

-ولكنهم ربَّما احتاجوا أن ينطقُوا الهمزةَ في بعضِ المواضعِ إذا ابتدءُوا بها كلامَهم. فإذا وصلوها بكلامٍ قبلَها، حذَفوها، ويرسُمونها ألفًا من غيرِ همزةٍ (ا)، ويسمُّونَها حينَ إذٍ (همزةَ وصلٍ). ولا تكون إلا في أوَّل الكَلِمِ، ولا تكون في وسطها، ولا في طرَفها. وإنَّما فعلوا ذلكَ لعللٍ ثلاثٍ نذكرُها بعدَ قليلٍ.

فإن قلتَ:

ولِمَ جعلوا لها صورةً معَ أنها لا تُنطَق إلا في البدءِ؟

قلتُ:

ذلك أنَّ الإملاء مبنيٌّ على النظرِ إلى حالِ الكلمة في البدءِ، والوقفِ. وهذا هو الأصل الثاني من أصولِ الإملاء. وكلُّ ما أولُه همزةُ وصلٍ، فإنك إذا ابتدأت به، ووقفتَ عليه، نطقتَ الهمزةَ، كما في (اِسم)، و (انطلاق).

-مسائل همزة القطعِ: (مسألتان)

-المسألة الأولى: إذا اتصلَ بهمزة القطعِ حرفٌ قبلَها، فهل تكون في حُكم المتوسِّطة؟

- قد يَلحق بهمزة القطعِ في أوَّلها بعضُ الحروفِ، فلا تُغيِّر حكمَ أوَّليَّتِها. وذلك إذا كانت تلكَ الحروفُ في حُكم المنفصِلةِ، كحُروف الجرِّ؛ نحو (بِأمنٍ)، وحروف الاستفهام؛ نحو (أَأَنت؟)، وحروف التنفيسِ؛ نحو (سأُصلّي).

فإن كانت هذه الحروفُ في حُكم المتَّصلة. وآيةُ ذلكَ أنها لا تُعربُ إعرابًا منفصِلاً؛ نحو (يُؤْمن)، فإنك تنقُلُ حكمَها إلى حُكمِ المتوسِّطة - وستأتي إن شاء الله أحكامُها مفصَّلةً -.

-المسألة الثانية: حُكم وصلِ همزةِ القطعِ:

لا يَجوز وَصلُ همزةِ القطعِ؛ أي: حذفُها في درجِ الكلام، وكتابتُها كما تُكتب همزةُ الوصلِ، إلا في ضرورةِ الشِّعرِ على قبحٍ. ومنه قولُ الشاعر:

* إن لَّم أقاتل، فالبِسُوني برقُعا *

* وفتَخاتٍ في اليدينِ أربعا *

يريد: فألبسوني.

-عللُ همزة الوصلِ: (ثلاثٌ)

زادتِ العربُ في كلامِها هذه الهمزةِ، لعللٍ ثلاثٍ؛ هي:

الأولى: التوصُّلُ إلى النطقِ بالساكنِ.

وذلك أنَّ مِن الكلمِ كلِمًا أوَّلُها حرفٌ ساكِنٌ لعللٍ يأتي ذكرُها. ولمَّا كانتِ العربُ لا تبتدئ بساكنٍ، اجتلبت همزةً متحرِّكةً، لتتوصَّلَ بها إلى النُّطقِ بالسَّاكنِ. فإذا ابتدأتْ بكلامٍ قبلَها، حذفتْها، لزوالِ الغرضِ منها. وهذا من لطيفِ حكمتِها، وسلامةِ علِلِها.

ويطَّرِدُ هذا في موضعينِ:

الأوَّلُ: أمرُ الفِعل الثلاثيِّ؛ نحو: (اُكتُبْ)، وماضي الفِعل الخماسيّ، والسداسيِّ، وأمرُهما، ومصدرُهما؛ فالخماسيُّ نحوُ: (انطلقَ، انطلِقْ، انطِلاق)، والسداسيّ نحوُ: (استغفرَ، استغفرْ، استغفار). وحِسابُ الحروفِ إنَّما هو للماضي؛ فـ (اكتبْ) ثلاثيَّة، لا رباعية، لأن ماضيَها (كتبَ).

فلمّا سكنت أوائلُ هذه الأفعالِ، احتاجوا إلى همزةِ وصلٍ قبلَها.

فإن قلتَ:

كانَ يُمكِنهم أن يفتحوا أوائلَها؛ فيستغنوا عن اجتلابِ همزةِ وصلٍ لها؛ فيقولوا مثلاً: (نَطَلَقَ) في (اِنطلقَ)، وكانَ يُمكِنُهم أيضًا أن يجعلوا همزةَ الوصلِ همزةَ قطعٍ، كما فعلوا في الرباعيِّ، مثلِ: (أكرمَ)؟

قلتُ:

إنَّما صدفُوا عن الفتحِ فرارًا من ثِقَل توالي أربعِ حركاتٍ في الخماسيِّ؛ نحو: (نَطَلَقَ)، وكراهيةً لاجتماعِ أربعِ حركاتٍ بينها ساكنٌ في الصحيحِ اجتماعًا لا يبرَحُ في السداسيِّ، خِلافًا للمبدوء بتاء المطاوعةِ؛ نحوِ (تباعدَ)، و (تقطَّعَ)؛ فإنهما بناءان فرعيَّانِ؛ أصلُهما (باعدَ)، و (قطَّعَ).

وأمَّا لِمَ لمْ يجعلوها همزةَ قطعٍ، فذلك أنَّهم لو جعلوها كذلكَ، لكانَ يجِبُ أن تفيدَ معانيَ، كالتعديةِ، والاعتقادِ، وغيرِها. وهذا مناقِضٌ للمعاني التي تُفيدُها صيغتا الخماسيِّ، والسداسيِّ، كالمطاوعةِ في نحو: (انطلقَ)، والطلبِ في نحو: (استغفرَ).

وإذا ثبتَ وجهُ العلّةِ في ماضي الخماسيِّ، والسداسيِّ، فاعلمْ أنَّ الأمرَ منهما، والمصدرَ محمولٌ عليهما. وذلكَ أنَّ القاعدةَ توجِب اشتقاقَ فعلِ الأمرِ من المضارعِ بحذفِ ياء المضارعة؛ فإذا أردنا أن نصوغَ الأمرَ من (ينْطلِقُ) حذفنا ياءَ المضارعةِ؛ فتصبح الكلمة (نْطَلِقْ) ساكنةَ الأوّل؛ فنجتلبُ لهما همزةَ وصلٍ. ومثلُ هذا أمرُ السداسيّ، وأمرُ الثلاثيِّ. أمَّا المصدَر، فمن شأنِهم أن يُعِلّوه بإعلالِ الفعلِ، كما قالوا: (لذتُ لِياذًا).

الثاني: الألفاظُ المحكيَّة [أي: التي يُراد كتابتُها كما تُنطَق] إذا كان أولُها ساكنًا، كحكايتك لفظَ (اِمْحمَّد) في كلامِ العامَّةِ، وكلمةَ (اِقْرُوب) [group] في الإنجليزيةِ مثلاً. وإن شئتَ حذفتَ همزةَ الوصلِ، وحكيتَها مبتدأةً بساكنٍ، لأنَّ الصحيحَ أنَّ الابتداءَ بساكنٍ ممكنٌ في الواقعِ. وهو كثيرٌ في اللغاتِ الأعجميَّةِ.

وللحديث بقيَّةٌ، نوردُها في الدرس القادم إن شاء الله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015