فلذلكَ إذا سمَّيتَ امرأةً بـ (انتصار)، أو (ابتهال)، أو (ابتسام)، لم تقطعِ الهمزةَ، كما لا يَجوز لك أن تقطعَ همزةَ (الاثنين) علمًا لليومِ؛ وإنِ ادَّعى ذلك مَن ادَّعى. وهذا هو الثابتُ قياسًا - كما مرَّ -، وسَماعًا كما في مُعجَماتِ اللُّغةِ. وممَّا وردَ من الشِّعرِ قولُ حسان رضي الله عنه:
بأبي وأمِّي من شهدتُّ وفاتَه ... في يومِ الاثنينِ النبيُّ المهتدي
صلَّى الله وسلَّمَ عليه.
ويجوزُ قطعُها في الشِّعرِ، كما جازَ قبلَ العلميَّةِ. ومنه قولُ العَرْجيِّ:
بعادلةِ الإثنينِ عندي، وبالحَرَى ... يكونُ سواءً منهما ليلةُ القدْرِ
فإن قيلَ:
ولكنَّ الهمزةَ صارت جزءًا من الاسمِ العَلَم.
قلتُ:
نعم؛ هي جزءٌ منه؛ ولكنَّها تظلُّ همزةَ وصلٍ، كما كانت قبلَ النقلِ، وليس شيءٌ يوجب أن يكونَ الجزءُ من العلمِ يُنطَق في البدءِ، والدرجِ. ولو قلنا بقطع همزةِ الاسمِ إذا أصبحَ علمًا احتجاجًا بهذه الحُجَّةِ، لجازَ هذا أيضًا في الحرفِ؛ فوجبَ أن تقولَ: (ألنُّعمان)؛ فتقطعَ همزته. وهذا بيِّن البُطلانِ.
ثمَّ إنَّ يوم (الاثنين) لم يَزل علمًا مذ عرفَه العربُ؛ فأيُّ شيءٍ استجدَّ لدى المتأخرينَ لم يكن في العُصُرِ الخالي.
وعجبي من هؤلاء المتأخرينَ أنَّهم على ادِّعائهم طلبَ التيسيرِ، وطرح الشواذِّ، هم أولعُ شيءٍ بالمخالفةِ؛ ولو بالحجةِ الضعيفةِ، والقولِ المنكَرِ، ثمَّ لا يبالون أن يركبوا في سبيلِ ذلكَ ما لا يَجوزُ، ولا يُقبَل، كأنَّ العلمَ عندهم، والتحقيقَ أن يخالِفوا؛ فهم راضُون أن يكونَ ذلك حظّهم منه؛ فلا أدري أهو حبُّ الإغرابِ، وإيهامُ دقَّة النظَر، أم هو شيءٌ آخرُ لا نعلمُه! معَ أنَّهم لا يستندِون في ذلكَ إلى سماعٍ صحيحٍ، ولا قياسٍ منضبطٍ! وشبيهٌ بهذا ما ادَّعوا من قطعِ همزةِ (البتة)، فلم يزيدوا على أن أفسدوا في اللغة، وأوقعوا الناسَ في لبسٍ من أمرِهم، وحرجٍ.
وهذا السماعُ، والقياسُ، وكلامُ أهلِ العلمِ قدَّمناه بينَ يديكَ بيِّنًا جليًّا؛ فماذا بعدَ الحقِّ إلا الضلالُ.
الثالث: لفظُ الجلالةُ خاصَّةً في موضعينِ، أحدُهما في النداءِ؛ نحو (يا ألله)، ويجوزُ فيهِ الوصلُ (يا الله). والثاني في قولهم في القسمِ: (أفأللهِ لأفعلنَّ كذا).
-فإذا استبانت لكَ مواضعُ همزةِ الوصلِ، وأبصرتَ عللَها، علمتَ أنَّ كلَّ اسمٍ أعجميٍّ منقولٍ إلى العربيَّةِ، مستعمَلٍ فيها، هو في لغتِهِ التي نُقِلَ منها مبتدئ بصوتِ الهمزةِ = تُقطَع همزتُه، لأنه ليس من مواضعِ همزةِ الوصل التي ذكرنا؛ سواءٌ كانَ مبدوءًا بساكنٍ؛ نحو (إستراتيجية)؛ أصلُها (Strategy) أو كان مبدوءًا بمتحرِّكٍ، كـ (صلى الله عليه وسلم) ؛ نحو: (إلكتروني)؛ أصلُها (صلى الله عليه وسلمlectronic) ، وغيرِها. وهذا إذا أردتَّ استعمالَ اللَّفظِ، لا حكايةَ طريقةِ نطقِهِ؛ فإنك إن أردتَّ حكايةَ طريقةِ نطقِهِ، فقد ذكرنا خبرَه في ما تقدَّمَ. وإنما وجبَ القطعُ هنا، لأنك لمَّا نقلتَه إلى الأسماء العربيَّةِ، وأجريتَه مُجراها، وجبَ عليكَ أن تحملَه على الغالبِ فيها؛ وهو القطعُ، كما فعلتَ في الأفعالِ المنقولة إلى العلميةِ.
ـ[أبو الفضل]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 01:40 م]ـ
بديعٌ أيها الشيخ الفاضل .. قد أوتيت علما أسأل الله ان يبارك لك فيه وأن يجعلك - به- مباركا أينما كنت .. لا عدمنا فوائدك .. وامض وأسرع .. ولا الى الخلف تنظر ..
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[26 - 12 - 2008, 12:10 م]ـ
بارك الله فيك أخي الفاضلَ / أبا الفضلِ، ووفَّقك.
وأسأل الله العونَ، والسدادَ.
ـ[العتيبي]ــــــــ[26 - 12 - 2008, 09:43 م]ـ
أستاذي الفاضل أبا قصي بارك الله لك في مالك وفي علمك ونفع بك.
ـ[بتول]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 05:12 ص]ـ
...
وعجبي من هؤلاء المتأخرينَ أنَّهم على ادِّعائهم طلبَ التيسيرِ، وطرح الشواذِّ، هم أولعُ شيءٍ بالمخالفةِ؛ ولو بالحجةِ الضعيفةِ، والقولِ المنكَرِ، ثمَّ لا يبالون أن يركبوا في سبيلِ ذلكَ ما لا يَجوزُ، ولا يُقبَل، كأنَّ العلمَ عندهم، والتحقيقَ أن يخالِفوا؛ فهم راضُون أن يكونَ ذلك حظّهم منه؛ فلا أدري أهو حبُّ الإغرابِ، وإيهامُ دقَّة النظَر، أم هو شيءٌ آخرُ لا نعلمُه! معَ أنَّهم لا يستندِون في ذلكَ إلى سماعٍ صحيحٍ، ولا قياسٍ منضبطٍ! وشبيهٌ بهذا ما ادَّعوا من قطعِ همزةِ (البتة)، فلم يزيدوا على أن أفسدوا في اللغة، وأوقعوا الناسَ في لبسٍ من أمرِهم، وحرجٍ.
وهذا السماعُ، والقياسُ، وكلامُ أهلِ العلمِ قدَّمناه بينَ يديكَ بيِّنًا جليًّا؛ فماذا بعدَ الحقِّ إلا الضلالُ.
...
أمّا ماذكرتَم من زعمِ المتأخرينَ واستدلالهم بوهمٍِ لا أصلَ له سوى ما توهَّمه أحدهم لصحيفةٍ قرأ معناها اللُّغوي" القطع"! جعلني أعودُ إلى وصلِها دونَ قطعها، وأخالفُ كلَّ من يقولُ بقطعِها حتَّى يأتيَ ببينةٍ. جزاكم الله خيرًا على البيانِ والاستدلال.
¥