ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[22 - 12 - 2008, 05:12 م]ـ
أوردنا قبلُ جميعَ مواضع همزةِ الوصلِ، وفصَّلنا القولَ في عللِها، ونأخذُ الآنَ في ذكرِ مسائلها.
-مسائلُ همزة الوصلِ: (مسألتان)
-المسألة الأولى: إبدالُ همزةِ الوصلِ إلى همزةِ قطعٍ:
-ولذلكَ ثلاثةُ مواضِعَ:
الأول: ضرورةُ الشعرِ، كقولِ حسان بنِ ثابت:
وشقَّ له من إسمِه ليُجِلَّه ... فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمَّدُ
وقولِ جميلِ بثينةَ:
ألا لا أرى إثنينِ أحسنَ شيمةً ... على حدَثان الدهْرِ منِّي ومن جُمْلِ
وقولِ الآخَر:
لا نسبَ اليومَ، ولا خُلَّةً ... إتَّسعَ الخَرقُ على الراقعِ
وهذا في ضرورةِ الشعرِ قياسٌ، يشمَل كلَّ ما أوَّلُه همزةُ وصلٍ.
الثاني: الأفعال، والحروف المبدوءة بهمزة وصلٍ إذا نقلتَها إلى العلميةِ؛ تقولُ: (هذا محلُّ إِجلِس)، و (هذه قناة إقرَأ)، و (جاء إستغفِر) في رجلٍ لقِّبَ بهذا، لكثرةِ لهَجه بهِذه الكلمة، وتقولُ: (" أل " أداة تعريف)؛ تقطعُها، لأنها أصبحت علَمًا.
فإن قلتَ:
وما وجهُ علميَّتِها؟
قلتُ:
لأنَّها تنتمي إلى جنسِ الحروفِ، كالإنسانِ ينتمي إلى جنسِِ البشرِ؛ فوسموها بسِمةٍ تتميَّزُ بها عن سائرِ أفرادِها إذا أرادوا الإخبارَ عنها؛ وذلكَ هو الاسمُ العلمُ عليها. فأمَّا إذا شاءوا أن يخبِروا بها، لا عنها، كقولِهم مثلاً: (القمَر)، فإنَّها لا تكونُ علَمًا. وآية ذلكَ أنَّك تقولُ: (أل: حرف تعريف)؛ فتخبِرُ عنها. فلولا أنَّها اسمٌ معرِفةٌ، لما جازَ ذلكَ.
أمَّا الأسماءُ، فلا يَجوز لك أن تقطعَها إذا سمَّيتَ بها، لأنه إنما جازَ لك القطعُ في الأفعالِ، والحروفِ، دونَ الأسماءِ، لأنَّ الأفعالَ، والحروفَ إذا سُمِّيَ بهما، خرجَا إلى حيِّز الأسماءِ؛ فأصبحَ يجري عليهما أحكامُها، والأصلُ في الأسماء القطعُ كما تقدَّمَ.
أمَّا الأسماءُ، فإنَّ التسميةَ بها لا تؤثِّرُ في اسميَّتِها شيئًا؛ إذ هي أسماءٌ قبلَ التسميةِ، وبعدَها؛ غيرَ أنها كانت منكَّرةً، فأصبحت معرَّفةً؛ وهذا لا يسيغُ الحملَ على الغالبِ في الأسماءِ، لأنَّها استحقَّت النادرَ أولاً؛ وهو الوصلُ؛ فإذا عرَّفتَها، لم يكن تعريفُك لها سالبًا لها هذا الاستحقاقَ، ولا رافعًا عنها هذا الحُكمَ. ولم يمكنهم أن يتجرءوا عليها كما تجرّءوا على الأفعالِ، والحروفِ؛ إذْ كانت الأفعالُ، والحروفُ قد انتقلت من ديارِها، وموطنِها إلى الأسماءِ؛ والداخلُ على قومٍ ليس منهم يتجرءون عليهِ ما لا يتجرءون على من هو منهم، ولا يغفِرون له ما يغفرونه للآخَر، كما قالَ خالدُ بنُ نَضلةَ:
إذا كنتَ في قومٍ ولم تكُ منهمُ ... فكل ما عُلِفتَ من خبيثٍ وطيِّبِ
أمَّا الأسماءُ، فامتنعتْ منهم، لمكانِها من القرابةِ التي تُدلي بها. ولو ساغَ لهم أن يقطعوا همزتَها حملاً على الغالبِ، لوجبَ هذا قبلَ النَّقلِ، وهذا لا يجوزُ كما هو معلومٌ.
قال سيبويه رحمه الله: (وإذا سمَّيتَ رجلاً بـ " إضربْ " أو " أقتلْ " أو " إذهبْ " لم تصرفه، وقطعتَ الألفاتِ، حتى يصير بمنزلة الأسماء، لأنك قد غيَّرتَها عن تلك الحال. ألا ترى أنك ترفعُها، وتنصبُها. وتقطع الألفَ، لأن الأسماء لا تكونُ بألفِ الوصلِ. ولا يُحتجّ بـ " اسم " ولا " ابن "، لقلة هذا مع كثرة الأسماء ... ، وإذا سميتَه " انطلاقًا "، لم تقطع الألفَ، لأنك نقلتَ اسمًا إلى اسم ... ، وإذا أردتَّ أن تجعل " اقتربت " اسمًا، قطعتَ الألفَ، كما قطعتَ ألف " إضرب " حين سمَّيتَ به الرجلَ ... ، فإذا جعلتَ " إعضضْ " اسمًا، قطعتَ الألفَ، كما قطعتَ ألف " إضربْ " [الكتاب: 3/ 198، 199، 256، 319].
وقالَ الزجَّاج رحمه الله: (وإذا سمَّيتَ رجلاً " ابنٌ "، وصلتَ ألفَه؛ فقلتَ: " هذا ابنٌ قد جاء ") [ما ينصرف وما لا ينصرف: 26].
¥