أمَّا (يحيَى)، فهي وإن أميلت، فإن الألفَ في آخِرها مسبوقةٌ بياءٍ، فلا تُكتَبُ على صورةِ الياءِ كما لا يُكتَب كذلك نحوُ (استحيا) معَ كونِها تُمالُ.
ولستُ أجِدُني مع ذلكَ راضيًا عن هذه العِلَّة التي يَعتلُّون بها لـ (موسى)، و (عيسَى)، لأنَّها إن كانت للتشبيهِ اللفظيِّ بالأسماء العربيَّة، فعِلة قاصِرة ضعيفةٌ -والعلل القاصرة لا تصِحُّ في رأيي في الإملاء-. وإن كانت لكونِها شُبِّهت، وأميلت أيضًا، فعِلَّة منتقِضةٌ ببعض الأسماء التي استثنَوها أيضًا، نحو (متَّى)، و (بخارى)، ولا أعرِفُ أنهم حكَوا فيها الإمالةَ.
فإن ادُّعي فيها جوازُ الإمالةِ لموافقتِها الأبنيةَ العربيَّة، ألزمنا ذلك أن نكتبَ نحو (لوقا)، و (حيفا) بالياء، إذ كانت على منهاجِ الأبنية العربية، وكانت تَقبلُ الإمالةَ أيضًا. ثمَّ يخرُج بنا هذا إلى أن ندخِل الصرف في الإملاء، فإذا أردنا أن نكتبَ الكلمةَ الأعجميَّة، نظرنا ألها موافِقٌ من أبنية العربيَّة، أم لا. وهذا أمرٌ عسِرٌ بعيدٌ عن إصابة الغرض من معرفة الإملاء!
وأيُّ ذلك كانَ، فهذه المسألة تحتاجُ إلى مزيد نظرٍ، وتأمُّلٍ، وجرأةٍ لا يَقومُ بها هذا الموضع. والذي أوقعنا في هذه المعضلاتِ أنَّ موقفنا نحن المتأخرين مِن كثيرٍ من آراءِ المتقدِّمينَ موقفُ المعلِّل. فإذا أخطئوا، أو ركِبُوا المتناقِضَ، ذهبنا نتلمَّسُ لهمُ المخارجَ، ونحتالُ في الذِّيادِ عنهم، ونسخِّر عقولَنا، وأقلامنا بالكذبِ لهم، والمحاماة عنهم بالحقِّ، والباطلِ غيرَ مكلِّفين أنفسَنا عَناءَ النظرِ في هذا الذي ألقِيَ إلينا، والفحصِ له!
ونظرةٌ واحدةٌ إلى كتب الإملاء تبيِّن أنَّ من سبقنا من العلماء كانوا أكثرَ تحرُّرًا، وأوسعَ رأيًا منَّا، فأبو عليٍّ مثلاً كانَ يرَى كتابة كلِّ ألفٍ على صورتِها، وكان الفراء يُجيز كتابة كلِّ همزةٍ على الألفِ، ويحتجَّانِ بما لاحَ لهما من العللِ. وأقوالاً غير ذلكَ كثيرًا.
وكنتُ قرأتُ كلمةً للمبرّد أعجبتني. وأراها حقيقةً بالذِّكر في هذا السِّياقِ. وذلك أنه اجتمعَ مرةً بثعلبٍ، فرآه كتبَ كلمة (والضحى) بالياء على مذهب الكوفيين، فقال: ينبغي أن تُكتب بالألف، لأنها من ذوات الواو. فقال ثعلب: إنما كُتِبت بالياء لضمِّ أولها. فقال: ولِمَ إذا ضُمَّ أولُها وهي من ذواتِ الواو تكتبها بالياء؟ فقال: لأن الضمَّة تشبِه الواوَ، وما أوله واو يكون آخِره ياء، فتوهَّموا أن آخره ياءٌ. فقال المبرد: أفلا يزولُ هذا التوهُّم إلى يوم القيامة؟
وهذه الكلمةُ أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الإملاءِ خاصَّةً، ومن أصولِ الاجتهادِ عامَّةً!
وأقول كما قالت الخنساءُ:
هممت بنفسِك بعضَ الهمومِ
أو كما قالَ أخوها صخرٌ:
أهمُّ بأمرِ الحزمِ لو أستطيعُهُ!
أو كما قالَ ضابئ البُرجمي:
هممتُ ولم أفعل، وكدتُّ، وليتني!
ـ[عائشة]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 03:00 م]ـ
جُزِيتَ خيرًا علَى التَّفصيلِ، والبيانِ.
ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 08:44 م]ـ
كلُّ الأسماء الأعجمية تُكتَب على صورةِ الياء، نحو (أمريكا)، و (فرنسا)، و (موسيقا)، و (طنطا) إلا ألفاظًا معدودةً، منها (موسى)، و (عيسى). وذلكَ أنَّهم أَجروها مُجرَى الأسماء العربيَّة، فأمالُوها، كأنَّهم جعلُوا الألفَ فيها زائدةً، نحوَ (سكرَى)، و (أرطى) ..
____
لعلَّكَ تعني على صورةِ الألفِ، أمْ أنِّي لم أفهَم المُرادَ.
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 10:08 م]ـ
بل أنت حفيظٌ عليمٌ، ولكني أنا سهوتُ. والصواب -كما هو بيِّنٌ-:
(كلُّ الأسماء الأعجمية تُكتَب على صورة الألفِ).
دمتَ نبيهًا.
ـ[الأسلمية]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 05:10 م]ـ
التي تنقلبُ ياءًا عند التثنية
أخي الفاضل: الذي أعرفه أن الهمزة إذا وقعت بين ألفين تحذف الألف الثانية، أم ثمَّ قاعدة أخرى؟
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 11:06 م]ـ
ما تعرفينَه هو مذهبُ الجمهور، فإنهم يحذفون الألف المبدَلة من التنوين في النصب إذا كانت مسبوقةً بهمزةٍ بعد ألف. وأنا أثبِتُها، فأكتبها (ياءًا) كما أكتب (رجلاً)، و (زيدًا)، لأن هذه الألفَ تنطَق في الوقف، والإملاءُ مبنيٌّ على مراعاة حالِ الكلمة في الوقف. وقد أشار ابن قتيبة في (أدب الكاتب) إلى هذا المذهب، واختارَه، وذكرَ أنه القياس. وكذلكَ فعلَ الزجاجيُّ في (كتاب الخط)، وإن كانَ الأمرُ قد استقَرَّ الآنَ على حذفِها.
ـ[الأسلمية]ــــــــ[22 - 04 - 2010, 01:59 ص]ـ
إجابة مسددة.
بارك الله فيكم.