ملتقي اهل اللغه (صفحة 3423)

أمَّا الأسماءُ، فإنَّ التسميةَ بها لا تؤثِّرُ في اسميَّتِها شيئًا؛ إذ هي أسماءٌ قبلَ التسميةِ، وبعدَها؛ غيرَ أنها كانت منكَّرةً، فأصبحت معرَّفةً؛ وهذا لا يسيغُ الحملَ على الغالبِ في الأسماءِ، لأنَّها استحقَّت النادرَ أولاً؛ وهو الوصلُ؛ فإذا عرَّفتَها، لم يكن تعريفُك لها سالبًا لها هذا الاستحقاقَ، ولا رافعًا عنها هذا الحُكمَ. ولم يمكنهم أن يتجرءوا عليها كما تجرّءوا على الأفعالِ، والحروفِ؛ إذْ كانت الأفعالُ، والحروفُ قد انتقلت من ديارِها، وموطنِها إلى الأسماءِ؛ والداخلُ على قومٍ ليس منهم يتجرءون عليهِ ما لا يتجرءون على من هو منهم، ولا يغفِرون له ما يغفرونه للآخَر، كما قالَ خالدُ بنُ نَضلةَ:

إذا كنتَ في قومٍ ولم تكُ منهمُ ... فكل ما عُلِفتَ من خبيثٍ وطيِّبِ

أمَّا الأسماءُ، فامتنعتْ منهم، لمكانِها من القرابةِ التي تُدلي بها. ولو ساغَ لهم أن يقطعوا همزتَها حملاً على الغالبِ، لوجبَ هذا قبلَ النَّقلِ، وهذا لا يجوزُ كما هو معلومٌ.

قال سيبويه رحمه الله: (وإذا سمَّيتَ رجلاً بـ " إضربْ " أو " أقتلْ " أو " إذهبْ " لم تصرفه، وقطعتَ الألفاتِ، حتى يصير بمنزلة الأسماء، لأنك قد غيَّرتَها عن تلك الحال. ألا ترى أنك ترفعُها، وتنصبُها. وتقطع الألفَ، لأن الأسماء لا تكونُ بألفِ الوصلِ. ولا يُحتجّ بـ " اسم " ولا " ابن "، لقلة هذا مع كثرة الأسماء ... ، وإذا سميتَه " انطلاقًا "، لم تقطع الألفَ، لأنك نقلتَ اسمًا إلى اسم ... ، وإذا أردتَّ أن تجعل " اقتربت " اسمًا، قطعتَ الألفَ، كما قطعتَ ألف " إضرب " حين سمَّيتَ به الرجلَ ... ، فإذا جعلتَ " إعضضْ " اسمًا، قطعتَ الألفَ، كما قطعتَ ألف " إضربْ " [الكتاب: 3/ 198، 199، 256، 319].

وقالَ الزجَّاج رحمه الله: (وإذا سمَّيتَ رجلاً " ابنٌ "، وصلتَ ألفَه؛ فقلتَ: " هذا ابنٌ قد جاء ") [ما ينصرف وما لا ينصرف: 26].

فلذلكَ إذا سمَّيتَ امرأةً بـ (انتصار)، أو (ابتهال)، أو (ابتسام)، لم تقطعِ الهمزةَ، كما لا يَجوز لك أن تقطعَ همزةَ (الاثنين) علمًا لليومِ؛ وإنِ ادَّعى ذلك مَن ادَّعى. وهذا هو الثابتُ قياسًا - كما مرَّ -، وسَماعًا كما في مُعجَماتِ اللُّغةِ. وممَّا وردَ من الشِّعرِ قولُ حسان:

بأبي وأمِّي من شهدتُّ وفاتَه ... في يومِ الاثنينِ النبيُّ المهتدي

صلَّى الله وسلَّمَ عليه.

ويجوزُ قطعُها في الشِّعرِ، كما جازَ قبلَ العلميَّةِ. ومنه قولُ العَرْجيِّ:

بعادلةِ الإثنينِ عندي، وبالحَرَى ... يكونُ سواءً منهما ليلةُ القدْرِ

فإن قيلَ:

ولكنَّ الهمزةَ صارت جزءًا من الاسمِ العَلَم.

قلتُ:

نعم؛ هي جزءٌ منه؛ ولكنَّها تظلُّ همزةَ وصلٍ، كما كانت قبلَ النقلِ، وليس شيءٌ يوجب أن يكونَ الجزءُ من العلمِ يُنطَق في البدءِ، والدرجِ. ولو قلنا بقطع همزةِ الاسمِ إذا أصبحَ علمًا احتجاجًا بهذه الحُجَّةِ، لجازَ هذا أيضًا في الحرفِ؛ فوجبَ أن تقولَ: (ألنُّعمان)؛ فتقطعَ همزته. وهذا بيِّن البُطلانِ.

ثمَّ إنَّ يوم (الاثنين) لم يَزل علمًا مذ عرفَه العربُ؛ فأيُّ شيءٍ استجدَّ لدى المتأخرينَ لم يكن في العُصُرِ الخالي.

وعجبي من هؤلاء المتأخرينَ أنَّهم على ادِّعائهم طلبَ التيسيرِ، وطرح الشواذِّ، هم أولعُ شيءٍ بالمخالفةِ؛ ولو بالحجةِ الضعيفةِ، والقولِ المنكَرِ، ثمَّ لا يبالون أن يركبوا في سبيلِ ذلكَ ما لا يَجوزُ، ولا يُقبَل، كأنَّ العلمَ عندهم، والتحقيقَ أن يخالِفوا؛ فهم راضُون أن يكونَ ذلك حظّهم منه؛ فلا أدري أهو حبُّ الإغرابِ، وإيهامُ دقَّة النظَر، أم هو شيءٌ آخرُ لا نعلمُه! معَ أنَّهم لا يستندِون في ذلكَ إلى سماعٍ صحيحٍ، ولا قياسٍ منضبطٍ! وشبيهٌ بهذا ما ادَّعوا من قطعِ همزةِ (البتة)، فلم يزيدوا على أن أفسدوا في اللغة، وأوقعوا الناسَ في لبسٍ من أمرِهم، وحرجٍ.

وهذا السماعُ، والقياسُ، وكلامُ أهلِ العلمِ قدَّمناه بينَ يديكَ بيِّنًا جليًّا؛ فماذا بعدَ الحقِّ إلا الضلالُ) انتهى.

http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=1123 (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=1123)

ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 02:21 م]ـ

قالَ الحريريُّ في دُرَّةِ الغوَّاصِ في أوهامِ الخواصِّ: " ومن جلةِ أوهامِهِم أنَّهَم إذا ألحقوا لامَ التَّعريفِ بالأسماءِ التي أولها ألِفُ وَصْلٍ نحو:

ابنٍ وابنةٍ واثنينِ سَكَّنوا لامَ التَّعريفِ، وقطعوا ألِفَ الوَصْلِ احتجاجًا بقولِ قيسِ بنِ الخطيمِ:

(إذا جاوزَ الإثنينِ سرٌ فإنَّهُ ** بِنَثٍّ وتكثيرِ الوشاةِ قَمِيْنُ)

والصوابُ في ذلكَ أن تُسقَطَ همزةُ الوصلِ وتُكسَر لامُ التعريفِ، والعلةُ فيهِ أنَّه لمَّا دخلَ لامُ التَّعريف على هذهِ الأسماءِ صارتْ همزةُ الوصلِ حشوًا،

والْتَقَى في الكلمةِ ساكنانِ: لامُ التعريفِ والحرفُ الساكنُ الذي بعدَ همزةِ الوصْلِ، فلهذا وجبَ كسرُ لامِ التَّعريفِ فأمَّا البيتُ المُسْتَشْهَدُ بهِ فمحمولٌ على ضرورةِ الشِّعْرِ، على أنَّ أبا العبَّاسِ المُبَرِّدَ ذكرَ أنَّ الروايةَ فيهِ:

إذا جاوزَ الخِلَّيْنِ ... ** ..

وإن كان الأشهر الراوية الأولى، حتَّى إنَّ بعضَهم أشارَ إلى أنَّه عَنَى بالاثنينِ الشّفَتَيْنِ.

وكذَلِكَ الحكمُ فيما يَلحَق بأسماءِ المصادرِ التي أوّلها همزةُ الوصلِ من لامِ التَّعريفِ في إسقاطِ الهمزةِ وكسرِ لامِ التعريفِ، كقولكَ: الاقتدارُ والانطلاقُ والاحمرارُ، للعلَّةِ التي تقدَّمَ ذكرُها ... " إلى آخِرِ ما قالَهُ.

ولابنِ جنِّيٍ في سرِّ صِناعةِ الإعرابِ كلامٌ فهمتُ منهُ: أنَّهُ لاخِلافَ بينَهُم في أنَّ همزتَها همزةُ وصلٍ.

وأمَّا قولُ من حاجَجْتَهم: إنّها نقِلتْ علماً فتُقطَع، فغَلَطٌ وفيهِ خلطٌ، لأنَّ همزةَ (اثنين) مسبوقةٌ بالألفِ واللامِ في قولِكَ (سوق الاثنين)، فليستْ في بدايةِ الكلِمةِ، حتى تُقطَعَ أو توصلَ أو تغيَّرَ إذا نُقِلتْ إلى علَمٍ.

فليستْ من هذا البابِ أصلاً، معَ ما ذكرتَ من كلامِ سيبيويهِ - رحِمَهُ اللهُ -.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015