ـ[عائشة]ــــــــ[21 - 01 - 2011, 07:50 م]ـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ عُيُوبِ الشِّعْرِ: (الإِقْعادُ)؛ وهو اخْتِلافُ العَرُوضِ في القَصِيدةِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيعٍ (1). وخصَّهُ التِّبريزيُّ -وغيرُهُ- ببَحْرِ الكامل (2).
فعلَى سبيلِ المِثالِ: العَروضُ في بحرِ الطَّويل لا تكونُ إلاَّ مَقبوضةً علَى (مَفَاعِلُنْ)، إلاَّ في حالِ التَّصريعِ؛ فإنَّها تُلحَقُ بالضَّرْبِ؛ فتكونُ صحيحةً علَى (مَفَاعِيلُنْ)، إذا كانَ الضَّرْبُ صحيحًا، ومحذوفةً علَى (فَعُولُنْ)، إذا كانَ الضَّرْبُ محذوفًا. أمَّا إذا لَمْ يَكُنِ البيتُ مُصرَّعًا؛ فتكونُ مقبوضةً علَى (مَفَاعِلُنْ) لا غير. (3)
غيرَ أنَّا نَجِدُ مَنْ خَالفَ هذا؛ كالنَّابغةِ الذُّبيانيِّ في قولِهِ:
جزَى اللهُ عَبْسًا عَبْسَ آلِ بَغِيضٍ ... جزَاءَ الكِلابِ العَاوِيَاتِ وقَدْ فَعَلْ
فالعَرُوضُ جاءَتْ محذوفةً علَى (فَعُولُنْ)، (وذلكَ لا يكونُ في الطَّويلِ إلاَّ في الثَّالثِ إذا كانَ مُصرَّعًا) (4)؛ فهو -إذَنْ- (مِنَ الشُّذوذِ في عَروضِ الطَّويلِ) (5). (وإنَّما نذكرُ مثلَ هذا؛ ليُجْتَنَبَ إذا عُرِفَ قُبْحُهُ) (6).
ووقَعَ في شِعْرِ أبي الطيِّبِ المتنبِّي -مِن قصيدةٍ منَ الضَّرْبِ الأوَّلِ مِنَ الطَّويلِ-:
تَفَكُّرُهُ عِلْمٌ، ومَنطِقُهُ حُكْمٌ ... وبَاطِنُهُ دِينٌ، وظَاهِرُهُ ظَرْفُ
فنلحظ مجيءَ العروض صحيحةً على (مفاعيلن)، مع كونِ البيتِ غيرَ مصرَّعٍ، وكان حقُّها أن تكونَ مقبوضةً على (مفاعلن).
يقولُ أبو العلاءِ المعرِّيُّ في «مُعجِز أحمدَ 2/ 21»:
(اعْلَمْ أنَّ العَروض الطَّويل إذا لَمْ يكن مُصَرَّعًا؛ لا يجيءُ إلاَّ مِن (مَفَاعِلُنْ) مقبوضة، فأمَّا (مَفَاعِيلُنْ) علَى ما جاءَ في هذا؛ فإنَّما يُؤتَى به في المُصَرَّعِ فَقَطْ. (7)
والتَّصريعُ: هو إعادةُ القافيةِ. (8)
عُذْرُه مِن وَجْهَيْن:
أحدهما: أنَّ هذا وإن كانَ هو الأكثر؛ فقد جاءَ في مثلِ هذا عن العَرَبِ؛ ألا تَرَى أنَّ الكاملَ لا يكونُ عَروضُه (مفعولُنْ) (9) إلاَّ في المصرَّعِ، وقَدْ جاءَ عن العَرَبِ (مفعولُنْ) في الكاملِ؛ مِن ذلك: قَوْل ربيع بن زيادٍ:
ومُجَنَّبَاتٍ ما يَذُقْنَ عَدُوفًا ... يَقْذِفْنَ بالمُهَرَاتِ والأَمْهَارِ (10)
والثاني: أنَّ (مفاعيلن) أصل العَروض الطَّويل، فيكون قد رجع -ههنا- إلى الأصلِ لضرورة الشِّعْرِ؛ لأنَّه إذا جازَ الخروجُ عن أَصْلِ الكَلِمة للضَّرورةِ؛ فالرُّجوعُ إلى الأَصْلِ أَوْلَى.
ورُوِيَ: (ومَنطقه حِجا)، ورُوِيَ: (تُقًى)، وهذا لا اعتراضَ عليه) انتهَى.
والشَّاهد الَّذي ذكره أبو العلاء هو من أبياتٍ للرَّبيعِ بن زيادٍ العبسيِّ، وفيها بيتٌ آخَرُ علَى شاكلتِهِ، هو قولُهُ:
أفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النِّسَاءُ عَوَاقِبَ الأَطْهَارِ
يقولُ أبو عليٍّ المرزوقيُّ في «شرح ديوان الحماسة 2/ 993»:
(وقوله: (ابن زُهَيْرٍ): جَعَل عروضَ الضَّرب الثَّاني من الكاملِ مقطوعةً، ولو قالَ: (زُهَيِّرٍ)؛ لاستقامَ له، وكانَ يكونُ (مُتفاعِلُنْ)، وهُمْ يُدخِلونَ علَى الأعلامِ التَّغييرَ كثيرًا؛ لكنَّهُ مالَ إلَى هذا، وجَعَله (فَعِلاتُنْ)) انتهى.
وقال الأعلم الشنتمريُّ في «شرح الحماسة 519»:
(وأوقع (زُهَيْرًا) في العَروضِ موقعَ القافيةِ في القطع، والعَروض لا تُقْطَعُ إلاَّ في تصريعِ البَيْتِ، وهذا مِنْ أقبحِ عُيوبِ الشِّعْرِ، والَّذي سوَّغَ لهم مثل هذا أنَّ القَطْعَ لمَّا جازَ مع التَّصريعِ -إشعارًا بأنَّه شِعْرٌ-؛ جازَ مع غير التَّصريعِ؛ تشبيهًا به؛ لأنَّ العَروضَ يُسْكَتُ عليها كما يُسْكَتُ علَى الضَّرْبِ -وهو آخِرُ البَيْتِ-) انتهى.
وذَكَرُوا للإقعادِ شواهِدَ أُخْرَى. (11)
ووجدتُّ في «كتاب الاختيارَيْن» -للأخفشِ الأصغرِ-، قصيدةً -نُسِبَتْ لامرأةٍ من الأعرابِ ترثي ابنًا لها- (12) من الكاملِ الَّذي عَروضُهُ حذَّاء، وضَرْبُهُ أَحَذُّ مُضْمَرٌ؛ علَى هذا النَّحْوِ:
قد كنتَ لي عَضُدًا إلى عَضُدِي ... ويدًا وظَهْرًا لي إلَى ظَهْرِي
قد كنتَ لي ذُخْرًا أُسَرُّ به ... فأرَى الزَّمانَ عدَا علَى ذُخْرِي
ولكنْ: قالَتْ بعدَهما:
قد كنتُ ذَا فَقْرٍ إليكَ فَعَزَّني ... رَبِّي عليكَ وقد رأَى فَقْرِي
¥