ملتقي اهل اللغه (صفحة 3078)

ـ[أبو محمد يونس المراكشي]ــــــــ[02 - 05 - 2014, 04:40 م]ـ

المطلب الثاني: حكم اتباع الرسم العثماني.

نخلص إذن إلى أنه يجب اتباع الرسم العثماني ولا تجوز مخالفته، ويترجح هذا الرأي بإجماع الصحابة ومن بعدهم على كتابة المصاحف على هذه الهيئة المعلومة، وعلى رفض ما سواها، فلا يُعتبَر بعد إجماع أهل القرون الأولى خلاف من خالف بعد ذلك، ولا يجوز خرق إجماعهم؛ لأن الإجماع لايُنْسَخُ.

ويؤيد ذلك أن الرسم الإملائي اصطلاح، والاصطلاح قد يتغير مع تغير الزمان، كما أن قواعد الإملاء تختلف فيها وجهات النظر، فيؤدي ذلك إلى التحريف والتبديل في كلام الله.

فلو أن أهل كل زمانٍ اصطلحوا في كتابة المصاحف على اصطلاح يناسب ما يألفونه من قواعد الإملاء، ثم أتى جيلٌ بعدهم فاصطلح على اصطلاح آخر يناسب ما استجدَّ من القواعد، وانقطعت صلة الأجيال المتتابعة بالمصاحف التي كتبهاالصحابة، لو حدث ذلك لوصلنا خلال عقود قليلة إلى نصٍّ مشوَّهٍ من القرآن، وحينئذ لن يستطيع الناس تَمييز القراءة الصحيحة من غيرها، ويؤدي ذلك إلى تحريف كتاب الله، ويحصل الشكُّ في جميعه.

فهذا الرسم العثماني هو أقوى ضمان لصيانة القرآن من التغيير والتبديل. (1)

ومِمَّا يؤيد الرأي القائل بالتوقيف العلاقة الواضحة بين هذا الرسم العثماني، وبين القراءات القرآنية المتواترة، يدرك هذا من كان له أدنى معرفة بعلم القراءات، إذ يلاحظ بوضوح أن الصحابة عندما خالفواالقياس في الخط، إنَّما كان ذلك لِمقاصد تتعلق بِما ثبتت روايته عن النَّبِيّ من أوجه القراءة في العرضة الأخيرة، فكتبوا في الفاتحة: {ملك يوم الدين}، (2) دون ألف في (ملك) لتحتمل الوجهين من القراءة بالألف (مالِكِ)، وبدونِها (مَلِكِ).فهل يُعَدُّ مثل هذا الرسم مُخالفًا لقياس أهل صناعة الخط؟!

وكذلك كتابتهم تاء التأنيث بالتاء المفتوحة في بعض المواضع نحو (امرأت)،و (رحمت)، و (نعمت)، فيقف عليها جمهور القراء بالتاء، ولو كتبت بالهاء المربوطة، لَتَغَيَّرَ حكمُ الوقف عليها. (3)

بهذا نخلص إلى أن الصحابة خالفوا قواعد الإملاء لا جهلا بتلك القواعد، ولكن لأن رسم المصحف توقيفي واجب الإتباع ولا تجوز مخالفته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015