ملتقي اهل اللغه (صفحة 3019)

وقيل وضعت الالفاظ محاكاة لاصوات الحيوانات ... وهذا غير مقبول ... فالانسان ارقى من الحيوان ... فلا يقلد الاعلى الادنى ... فضلا على ان الاسلام لا يقبل ابدا مفهوم" الانسان البدائي ... "فهذا المفهوم نشأ فى بيئة ملحدة ... تقوم على خرافة التطور .... وقيل وضعت الالفاظ محاكاة لاصوات الطبيعة ... كما نجد فى بعض الفاظ العربية ما يحاكي اصوات الشيء المعبر عنه ... من قبيل "عواء" و"مواء"و "قضم" و"حفيف" ..... لكن الكثرة الكاثرة من الالفاظ لا تقلد صوتا ولا صدى ... بل ان لغويي اليوم يرون العلاقة اعتباطية بين الدال والمدلول ....

ثم يأتي الاشكال الاكبر .... اين النقل الصحيح؟؟؟ لان مسألة المواضعة مسألة نقلية لا دخل للعقل فيها ...

بعد هذا .... الم يكن شيخ الاسلام اولى بالحصافة المنهجية من غيره ... عندما رفض فكرة الوضع ... وأبى ان يستخدمها فى نظريته اللغوية .....

ولكن ما الحل البديل لنظرية"الوضع"؟

هذا هو موضوع الحلقة الثانية من هذا العرض ... ان شاء الله تعالى ...

- 2 -

لما كان مفهوم "الوضع" ظنيا لم يجز اعتماده لبناء نظرية لغوية سليمة .... فأقصى من قبل ابن تيمية .. واعتمد على مفهوم واضح اجرائي:"الاستعمال"

فإن كان من المجازفة ان نقول ان العرب وضعت اسم" الاسد" للحيوان اولا ثم استعمل بعد ذلك فى الانسان .. فإنه من المؤكد انهم استعملوا اسم "الاسد" فى المعنيين ... معا ... وهذا يمكن التحقق منه بالرجوع الى كلامهم ...

قال ابن تيمية فى الايمان الكبير:"والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة فى اللغة ثم استعملوها بعد الوضع وانما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعانى فان ادعى مدع أنه يعلم وضعا يتقدم ذلك فهو مبطل فان هذا لم ينقله أحد من الناس ... "

وكأني بشيخ الاسلام هنا يطبق القاعدة الشرعية .... اليقين لا يزول بشك .... فلا يجوز لفرضية الوضع المشكوك فيها ان تشوش على" الاستعمال "المقطوع به ...

وينتج عن هذا الاعتبار .... تساوي الاستعمالات ... فليس استعمال "الاسد" فى الحيوان اولى من استعمال "الاسد" فى الانسان من حيث القيمة .... وبطل بالتالي التصنيف الى اصل وفرع ...

والى هذا المذهب ... مال ابو اسحق الاسفراييني .... كما عرضه د. لطفي عبد البديع .. فى كتابه "فلسفة المجاز":

" ..... ومن اجل ما قدمنا ....... كان ما ذهب اليه ابو اسحق الاسفراييني من انه لا مجاز فى لغة العرب وعمدته ان حد المجاز عند مثبتيه انه كل كلام تجوز به عن موضوعه الاصلي الى غير موضوعه الاصلي للنوع مقارنة بينهما فى الذات او فى المعنى ... اما المقارنة فى المعنى فكوصف الشجاعة والبلادة ..... واما فى الذات فكتسمية المطر سماء ........ وهذا يستدعي منقولا عنه متقدما ومنقولا اليه متاخرا ... وليس فى لغة العرب تقديم وتاخير بل كل زمان قدر ان العرب قد نطقت فيه بالحقيقة فقد نطقت فيه بالمجاز .......... والعرب نطقت بالحقيقة والمجاز على وجه واحد .. فجعل هذا حقيقة وهذا مجازا ضرب من التحكم فان اسم السبع وضع للاسد كما وضع للرجل الشجاع ..

وما قيل فى الجواب عن هذا من ان الجهل بتاريخ تقدم الحقيقة على المجاز لا يدل على عدم التقديم والتاخير منقوض بعدم وجود تاريخ لذلك ... الا ان هذا التاريخ مبني على افتراض التقديم والتاخير ... وهو فى الترتيب الزمني بمنزلة الاصل والفرع فى الترتيب العقلي .. وكلاهما لا وجه له فى الظاهرة اللغوية ... وحسبنا ان نقول ان اللفظة الواحدة قد تتوارد على معان شتى دون

ان يعرف اي هذه المعاني مقدم على الآخر لانه لا سبليل الى ذلك .... =انتهى كلام عبد البديع.

ومن النتائج الجليلة ... عن اعتبار الاستعمال لا الوضع .. تغير تصورنا للغة ... فلن تكون بعد هذا "مجموعة من "المفردات "المخزونة-المحنطة- فى المعاجم ..... بل هي مجموعة من "الجمل"المتداولة فى الحياة .... ولهذا التصور غور عظيم ... سيكون هو موضوع حديثنا القادم ان شاء الله .....

- 3 -

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015