ـ[المعقل العراقي]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 08:16 م]ـ
البسملة1
الحكاية: كقولك: "حكيت فلاناً وحاكيته": فعلت مثل فعله، أو قلت مثل قوله. وحكاية الحديث عنه حكاية. والمحاكاة: المشابهة، تقول: فلان يحكي الشمس حسناً، ويحاكيها بمعنى (اللسان – حكى).
قال ابن سينا: " المحاكاة: هي إيراد مثل الشئ وليس هو هو، فذلك كما يحاكي الحيوان الطبيعي بصورة هي في الظاهر كالطبيعي، ولذلك يتشبه به بعض الناس في أحواله ببعض، ويحاكي بعضهم بعضاً، ويحاكون غيرهم ".
(الشفاء-المنطق –الشعر ص 32، فن الشعر ص 168).
وقال: "والمحاكاة قد يقصد بها التحسين، وأما أن يقصد بها التقبيح، فان الشئ إنما يحاكي ليحسن، أو ليقبح " (المصدران السابقان: ص 34، ص 183).وقال عن الشعر: " إن المحاكاة التي تكون بالأمثال والقصص ليس هو من الشعر بشئ، بل الشعر أن يتعرض لما يكون ممكناً في الأمور وجوده، أو لما وجد ودخل في الضرورة " (المصدران السابقان: ص 54، ص 183).
وقال الفارابي:" المحاكاة بقول: هو أن يؤلف القول الذي يصنعه أو يخاطب به من أمور تحاكي الشئ الذي فيه القول، دالاً على أمور تحاكي ذلك الشئ. ويلتمس بالقول المؤلف مما يحاكي الشئ تخييل، أما تخييله في نفسه وإما تخييله في شئ آخر" (جوامع الشعر – تلخيص كتاب ارسطاطاليس في الشعر ص 74).
ثم قال سالم آل عبدالرحمن: وعلى طالب العلم أن يعلم بأن المحاكاة هي ثلاثة أقسام: محاكاة تشبيه، ومحاكاة استعارة، والمحاكاة التي هي من باب الذرائع.
وقال: توقفنا معها في مباحثها الخاصة بالشريعة في وقفات عدة. قلت: لعلي أعرج عليها في وقفة قريبة فقد أشار لها رعاه الله في أشرطة عدة وهي على جانب من الأهمية كما رأيت.
ثم قال: أما ما يتعلق بها في الباب المتقدم فقد قلت أن القرطاجني كان قد نال من المحاكاةَ في دراسته للشعر، لأن الشعر عنده يعتمد على التخييل والمحاكاة، قال:" الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب الى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه، لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها، أو متصورة بحسن هيئة تأليف الكلام، أو قوة صدقه، أو قوة شهرته، أو بمجموع ذلك " (منهاج البلغاء وسراج الأدباء لأبي الحسن حازم القرطاجني – تحقيق الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، ص 71).
ثم أضاف: وتنقسم المحاكاة والتخييل بحسب ما يقصد بها الى:
أولاً: محاكاة تحسين.
ثانياً: محاكاة تقبيح.
ثالثا: محاكاة مطابقة لا يقصد بها إلا ضرب من رياضة الخاطر والملح في بعض المواضع التي يعتمد فيها وصف الشئ ومحاكاته بما يطابقه ويخيله على ما هو عليه، وربما كان القصد بذلك ضرباً من التعجب أو الاعتبار، وربما كانت محاكاة المطابقة في قوة المحاكاة التحسينية أو التقبيحية.
وهذا هو تقسيم ابن سينا، وقد ذكر القرطاجني ذلك فقال:" وقد ذكر أبو علي بن سينا، وقسّم المحاكيات هذه القسمة " (مناهج البلغاء، ص 92).
وللمحاكاة موقع في النفس لما فيها من الالتذاذ بها والتذاذها بالتخيل، ولما في المحاكاة من طرافة، وربط القرطاجني بينها وبين الأصباغ وحسن وضعها فقال:" وأعلم أن منزلة حسن اللفظ المحاكى به وإحكام تأليفه من القول المحاكى به ومن المحاكاة بمنزلة عتاقة الأصباغ، وحسن تأليف بعضها الى بعض، وتناسب أوضاعها من الصوّر التي يمثلها الصانع.
وكما أن الصورة إذا كانت أصباغها رديئة وأوضاعها متنافرة، وجدنا العين عنها غير مستلذة لمراعاتها، وإن كان تخطيطها صحيحاً، فكذلك الألفاظ الرديئة والتأليف المتنافر وإن وقعت بها المحاكاة الصحيحة فانا نجد السمع يتأذى بمرور تلك الألفاظ الرديئة القبيحة التأليف عليها، يشغل النفس تأذي السمع عن التأثر لمقتضى المحاكاة والتخييل، فلذلك كانت الحاجة في هذه الصناعة الى اختيار اللفظ، وإحكام التأليف أكيدة جداً" (منهاج البلغاء، ص 129).
ثم قال أ. د. سالم آل عبدالرحمن:" ولقد رأينا أن هذا المنهج في المحاكاة قد طرقه السجلماسي (أنظر: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع لأبي محمد القاسم السجلماسي، تحقيق علال الغازي، ص 407) وكذلك جاء عليه ابن البناء المراكشي في الروض المريع في صناعة البديع وكتابه قد حُقق من قبل رضوان بن شقرون (أنظر الروض المريع - ص 81،103).وكانا قد أقاما الشعر على المحاكاة والتخييل، وهما كالقرطاجني متأثران بما ذكره الفلاسفة المسلمون كالفارابي وابن سينا.
قلت: سآتي ان شاء الله تعالى على آراء أ. د. آل عبدالرحمن في التحسين والتقبيح العقلي وفيه يرد على ابن النجار الحنبلي وبعض المعاصرين أيضا ...