ملتقي اهل اللغه (صفحة 2576)

ويقول في مختصر تفسيره "دلالة البرهان القويم": "حذفتُ منه أيضًا التصريح ببيان الاحتباك؛ للاستغناء بكتابي "الإدراك"؛ فقد ذكرت فيه نحوًا من ثلاثِمائة آيةٍ من هذا الفنِّ البديع، والأسلوب المنيع"؛ (ق: 3 - أ).

ثم ذكر نصَّ السيوطيِّ، فقال: يقول السيوطيُّ في كتابه "التحبير في علم التفسير" "النوع الثالث والسبعون: الاحتباك:

هذا النَّوع من زياداتي، وهو نوعٌ لطيفٌ، ولَم نرَ أحدًا ذكَره من أهل المعاني والبيان والبديع، وكنت تأمَّلتُ قولَه تعالى: ? لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ? [الإنسان: 13]، والقولين اللَّذين في الزمهرير، فقيل: هو القَمر في مقابلة الشَّمس، وقيل: هو البَرْد، فقلتُ: لعلَّ المراد به البَرد، وأفاد بالشمس أنَّه لا قمر فيها، وبالزمهرير أنه لا حرَّ فيها، فحذف مِن كلِّ شقٍّ مُقابِلَ الآخَر، وقلت في نفسي: هذا نوعٌ من البديع لطيف، لكنِّي لا أدري ما اسْمُه، ولا أعرف في أنواع البديع ما يُناسبه، حتَّى قادني بعضُ الأئمة الفضلاء [يقصد شيخَه البقاعيَّ] أنَّه سمع بعض شيوخه قرَّر له مثل ذلك في قوله تعالى: ? فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ? [آل عمران: 13].

قال: وهذا النوع يسمَّى بالاحتباك، قال الإمام الفاضل المذكور: وتطلَّبتُ ذلك في عدَّة كتب، فلم أقف عليه، وأظنُّه في "شرح الحاوي" لابن الأثير، ثُمَّ صنَّف المذكورُ في هذا النوع تأليفًا لطيفًا سمَّاه "الإدراك في فن الاحتباك".

ثُمَّ وجدتُ هذا النوع بعينه مذكورًا في "شرح بديعية أبي عبدالله بن جابر" لرفيقه أحمد بن يوسف الأندلسيِّ، وهما المشهوران بالأعمى والبَصير، قال مما نصُّه: "من أنواع البديع: "الاحتباك" وهو نوعٌ عزيز، وهو أن يُحذف من الأول ما أُثبت نظيره في الثَّاني، ومن الثاني ما أثبت نظيرُه في الأول، كقوله تعالى: ? وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ? [البقرة: 171]؛ التَّقدير: مثَلُ الأنبياء والكفَّار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به، فحذف من الأوَّل: الأنبياء؛ لدلالة الذي ينعق عليه، ومن الثاني: الذي ينعق به؛ لدلالة الَّذين كفروا عليه ... " [1] (http://forum.ashefaa.com/#_ftn1).

ثالثًا - أمثلة:

أ - أمثلة قرآنية:

1 - "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم:

كقوله تعالى: ? وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ? [البقرة: 171]؛ الآية، التقدير: ومَثَلُ الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق، والذي ينعق به، فحذف من الأوَّل الأنبياء؛ لدلالة "الذي ينعق" عليه، ومن الثاني الذي ينعق به؛ لدلالة "الذين كفروا" عليه.

وقولِه: ? وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ ? [النمل: 12] التقدير: تَدْخُلْ غير بيضاء، وأخرِجْها تخرُجْ بيضاء، فحذف من الأول "غير بيضاء"، ومن الثاني "وأخرِجها".

وقال الزركشيُّ: هو أن يَجتمع في الكلام متقابلان، فيحذف من كلِّ واحد منهما مُقابِلُه؛ لدلالة الآخر عليه؛ كقوله تعالى: ? أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ? [هود: 35]؛ التقدير: "إن افتريتُه فعليَّ إجرامي، وأنتم بُرَآء منه، وعليكم إجرامُكم، وأنا بريءٌ مما تجرمون".

وقوله: ? وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ? [الأحزاب: 24] التقدير: "ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم، أو يتوب عليهم فلا يعذِّبهم".

وقوله: ? وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ? [البقرة: 222]؛ أيْ: حتَّى يَطْهُرن من الدَّم، ويتطهَّرن بالماء، فإذا طَهُرن وتطهَّرن فأْتُوهن.

وقوله: ? خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ? [التوبة: 102]؛ أيْ: عملاً صالِحًا بسيِّئ، وآخر سيِّئًا بصالح.

قلتُ: ومن لطيفِه قولُه: ? فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ? [آل عمران: 13]؛ أي: فئةٌ مؤمنةٌ تُقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرةٌ تقاتل في سبيل الطاغوت.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015