ملتقي اهل اللغه (صفحة 2524)

وفي سنة 1929 م تمكنَ الفلكيُّ الأمريكي الشهير إدوين هبل من تأكيدِ ظاهرة توسع الكون , وتوصَّلَ إلي الاستنتاجِ الصحيحِ أن سرعة تباعد المجرات الخارجية عن مجرتنا تتناسب تناسبا طرديا مع بعدها عنا , وفي سنة 1934 م اشترك هو وأحد من مساعديه في قياس أبعاد وسرعات تحرك 32 من تلك المجرات الخارجية بعيدا عن مجرتنا وعن بعضها بعضا.

من جانب آخر استطاع علماء كل من الفيزياء النظرية والفلكية تأكيد حقيقة توسع الكون بتوظيف القوانين الرياضية في عدد من الحسابات النظرية , ففي سنة 1917 م أطلق ألبرت إينشتاين نظرية النسبية العامة لشرح طبيعة الجاذبية كقوة مؤثرة في الكون المدرك , وأشارت المعادلات الرياضية المستنتجة من تلك النظرية إلي أن الكون الذي نحيا فيه كون غير ثابت , فهو إما أن يتمدد وإما أن ينكمش وفقا لعدد من القوانين المحددة له , وجاءت هذه النتيجة علي عكس ما كان يعتقد إينشتاين وجميع معاصريه من الفلكيين وعلماء الفيزياء النظرية , ولقد أصاب إينشتاين الذعر حينما أدرك أن معادلاته تنبئ ـ رغم أنفه ـ بأن الكون في حالة تمدد مستمر , فعمد إلي إدخال معامل من عنده أطلق عليه اسم الثابت الكوني ليلغي به تمدد الكون , ويؤكد ثباته واستقراره برغم دوران الأجرام التي يحتويها , وحركاتها المتعددة , ثم عاد إينشتاين ليعترف ـ أمام سيل ملاحظات الفلكيين عن تمدد الكون ـ بأن تصرفه هذا كان أكبر خطأ علمي اقترفه في حياته.

في السنوات 1917 ـ 1924 م قام الروسي أليكساندر فريدمان بإدخال عدد من التحسينات علي معادلات إينشتاين , وقدم نموذجين لتفسير نشأة الكون يبدأ كل منهما بحالة متفردة تتميز بكثافة لا نهائية , وتتمدد منها إلي حالات ذات كثافة أقل.

وتحدث فريدمان عن انحناء الكون , وعن تحدبه تبعا لكمية المادة الموجودة فيه , فإن كانت تلك المادة أقل من قدر معين كمية حرجة وجب أن يستمر تمدد الكون إلي الأبد , وفي هذه الحالة يكون نظام الكون مفتوحا , أما إذا كانت كمية المادة بالكون أقل من الكمية الحرجة غدت الجاذبية علي قدر من القوة بحيث تحدب الكون إلي درجة تتوقف عندها عملية التمدد في لحظة معينة من المستقبل , عندها يبدأ الكون في الانطواء علي ذاته ليعود إلي حالة الكثافة اللانهائية الأولي التي بدأ بها الكون , وفي هذه الحالة يكون نظام الكون مغلقا.

وقد أثبت كل من وليام دي سيتر في سنة 1917 م وآرثر إدنجتون في سنة 1930 م أن الكون كما صورته معادلات إينشتاين هو كون غير ثابت , ولكن تصور كل منهما للكون كان تصورا بدائيا , فبينما كان نموذج إينشتاين للكون نموذجا ماديا دون حركة , ونموذج دي سيتر حركيا دون مادة , جاء نموذج إدنجتون وسطا بين النموذجين بمعني أن الكون بدأ بحالة ساكنة , ثم أخذ في التمدد نظرا لطغيان قوي الدفع للخارج علي قوي الجاذبية , ولكن انطلاقا من فكر الإلحاد السائد في عصره اضطر إدنجتون إلي فرض ماض لا نهائي للكون ليتخلص من حقيقة الخلق , وشبح الانفجار الكبير والذي سماه بالبداية الكارثة.

في السنوات 1934,1932 م اقترح ريتشارد تولمان نموذجا متذبذبا للكون يبدأ وينتهي بعملية الانفجار الكبير. وأخيرا اقترح آلان جوت نموذج الكون المتضخم , والذي يقترح فيه أن الكون المبكر تمدد في أول الانفجار تمددا رأسيا سريعا جدا مع سطوع فائق. ثم أخذت معدلات التوسع في التباطؤ إلي معدلاتها الحالية ,

ومن منطلق إنكار الخلق ينادي الفلكيون المعاصرون بفكرة الكون المفتوح أي الذي يتمدد إلي ما لا نهاية ولكن حسابات الكتل المفقودة ...

تؤكد انغلاق الكون , هذا الانغلاق الذي سيقف بتمدده عند لحظة في المستقبل يعود الكون فيها إلي الانكماش والتكدس علي ذاته ليعاود سيرته الأولي.

وبالتدريج بدأتْ فكرةُ تمددِ الكون إلي حد ما في المستقبل تلقي القبول من الغالبية الساحقة من علماء الفلك والفيزياء الفلكية والنظرية , وان بقيت أعداد منهم يدعون إلي ثبات الكون حتي مشارف الخمسينيات من القرن العشرين , ومن هذه الأعداد جامعة كنبردج المكونة من كل من هيرمان بوندي , وتوماس جولد , وفريد هويل. وقد قام هذا الفريق بنشر سلسلة من المقالات والبحوث في السنوات 1946 م ,1949,1948 م دفاعا عن النموذج الثابت للكون

ثم اضطروا إلي الاعتراف بحقيقة تمدده بعد ذلك بسنوات قليلة , ومن عجائب القدر بهؤلاء الجاحدين لحقيقة الخلق , المتنكرين لجلال الخالق سبحانه وتعالي المنادين كذبا بأزلية العالم , أن يكون أحد زعمائهم وهو فريد هويل الذي حمل لواء الادعاء بثبات الكون واستقراره وأزليته

لسنوات طويلة هو الذي يعلن بنفسه في سخرية لاذعة تعبير الانفجار الكبير للكون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015