ـ[فريد البيدق]ــــــــ[13 - 11 - 2011, 08:44 م]ـ
(1)
لماذا قلت: عند الأديب الملتزم بالإسلام، ولم أقل: عند الأديب المسلم؟
قلت ذلك حتى يتضح المراد من أول وهلة.
كيف؟
إذا قلت: عند الأديب المسلم- فكل من ولد لأبوين مسلمين يعد نفسه مسلما حتى لو كان علمانيا أو ملحدا أو مقدسا لكل شيء إلا الإسلام وأصوله وما يتصل به، بل قد يسمي نفسه مفكرا إسلاميا، وقد يسميه الناس بذلك.
وهذا النوع لا أعنيه.
لماذا؟
لأنه متشبع بما يضاد ما سأقوله.
إذا: من أخاطب؟
إنني أخاطب ذلك الأديب الذي يحاول القضاء على العلمانية في الأدب بتعميق القيم الإسلامية في أدبه، ويبحث عن وسائل تحقيق ذلك بعيدا عن الشبهة التي يرددها من يتشبع بالنموذج الأدبي العلماني: أدب الوعظ.
هذا هو مستهدف مقالي.
فماذا أريد أن أقول؟
(2)
إن الأدب فعل من أفعال البشر التي تنحصر تحت الأحكام الشرعية الخمسة من حرام وواجب ومكروه ومستحب ومباح؛ فهو قد يكون في سياق حراما وقد يكون في سياق آخر واجبا وقد يكون في سياق ثالث مكروها وقد يكون في سياق رابع مستحبا وقد يكون في سياق خامس مباحا.
ماذا يجعل السياق يختلف؟
إنها القيم التي يتغياها الأديب، وإنها الوسائل التي ينتهجها لتحقيق تلك القيم.
وهل يختلف الأديب الذي يتخذ الإسلام منهجا عن غيره في ذلك؟
نعم.
كيف؟
إن الأدب انعكاس لصورة الأديب؛ لأنه يضع قناعاته النفسية والفكرية والحياتية في أعماله؛ فإذا كان متشبعا بالإسلام انعكس على إنتاجه، وإن كانت الأخرى فالموجود الأدبي الغالب هو النتاج.
وكيف يكون ذلك؟
(3)
يكون ذلك بالمنطلق الفكري.
وما منطلق الأديب الفكري الذي يتغيا الإسلام؟
إنه منطلق يتمثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1 - 4]، فيعلم أن البيان الذي يمثله الأدب نعمة من الله ومنة تستوجب الشكر الذي يقتضي صرفها في طاعة.
ويتمثل قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]، فيعلم أن القراءة مادة الإبداع والإبداع الذي يعكسه بأدبه مرتبط بمنهج الله تعالى؛ فهو يقرأ ويكتب متمثلا مقام الإحسان الذي بينه الرسول في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: {قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ}.
كذلك يعرف ذلك الأديب أنه مسئول عن وقته وعمره وعلمه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه الألباني: {لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ}.
ويستحضر ما يملأ النموذج الإسلامي للمسلم الملتزم بالإسلام في كل الحياة تحقيقا لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].
ولنا أن نسأل: كيف يؤثر هذا المنطلق على أدوات الأديب؟ وهل يؤدي به إلى اختراع أدوات جديدة؟ أم هل ينحصر الأمر في توظيف الأدوات الموجودة توظيفا يتلاءم مع المنطلق السابق؟
(4)
سنرجئ أمر اختراع أدوات فنية جديدة إلى سياق آخر، وسنحصر الكلام في هذا المقال على استثمار الأدوات المتاحة وفق منطلقه الفكري الإسلامي.
كيف يكون ذلك؟
سنعرض لأدوات فنية رئيسة هي الآتي:
1 - الموضوع
كل أحداث الحياة تصلح مادة للأدب حسب النوع الأدبي، لكن الأديب الملتزم إسلاميا لا يختار موضوعا حراما.
كيف؟
لا يبني عمله الأدبي على مومس يستعرض من خلالها الحياة ويحكم على البشر والأحداث، ويجعلها محبوبة إلى القارئ لإلفه إياها لأنها المتحدثة والبطلة للعمل الأدبي، ومعذورة لديه بأسبابها الإنسانية التي قد تكون محض شهوة.
¥