ملتقي اهل اللغه (صفحة 2496)

دلالة الفعل الماضي على المستقبل في القرآن الكريم

ـ[د. خديجة إيكر]ــــــــ[19 - 11 - 2011, 12:14 ص]ـ

إن الفعل الماضي معجز من حيث تركيبه في الصيغة القرآنية، فقد يلغى منه زمنه المتعارف عليه ليدل على أحداث مستقبلية منتظَرَة، لذلك نجد في القرآن الكريم أفعالا ماضية استعملت للدلالة على المستقبل، حيث إنها ـ وإن جاءت بصيغة الماضي ـ فإنها لم تحدُث بعدُ. ومن هنا فتعبير القرآن الكريم بالماضي عن المستقبل دال على تحقُّق وقوعه، وهذا من باب مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

ويمكن أن ندرج ضمن دلالة الماضي على المستقبل ثلاثة أصناف من الآيات الكريمة:

1 - الآيات التي تتحدث عن مشاهد يوم القيامة: والمقصدُ من هذه الآيات استثارةُ العقول للتفكر في هذا الأمر العظيم، واتخاذ العُدة لمواجهة أهواله، وذلك بالتزود بالعمل الصالح. فهدفها إذن تربوي يهيئ الإنسان للقيام بأعباء الاستخلاف عن الله تعالى بالسعي في الأرض تعميرا لا تدميرا، وإصلاحا لا إفسادا:

- كقوله سبحانه وتعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها) الزلزلة / 1.حيث تزلزل الأرض وتلفظ أمواتها أحياء، وهذا طبعا لا يكون إلا يوم القيامة وهو غيب مستقبل.

- وقوله عز وجل: (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا).الفجر: 21/ 22.فالزمن لا يتعلق بالله تعالى مثل تعلقه بسائر المخلوقات، ذلك أنه سبحانه مطلق متعال عن الزمان والمكان: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) الحديد / 3.

ومن ثم فإن المستقبل في حقه تعالى ماضٍ، لأنه المطلقُ - سبحانه وتعالى - المستوعبُ لكل الأزمنة، ومن ثم فإن مجيء الفعل الماضي الدال على الاستقبال ناسب المقام الرباني، إذ دلَّ على عظمته - تعالى - وعلى أنه مطلق غير محدود بالزمان ولا المكان، كما أنه ناسب حال المخاطبين بتقريره لحقيقة عقدية وهي البعث والنشور ومشاهد يوم القيامة، التي هي بمثابة غيب مطلق لا يمكن للإنسان أن يقف على ما هي عليه حقيقةً لأنه أسيرُ نسبيتِه. والنسبيُّ لا يمكن أن يُحيط بالمطلق. ومنهج السلف الصالح في تفسير مثل هذه الآيات المندرجة ضمن آيات الصفات إجراؤها كما وردتْ من غير تكييف ولا تشبيه، ولا تأويل ولا تحريف ولا تعطيل.، وإن كانت بعض تفاسير أهل السنة والجماعة قد نزعت إلى حملها على معان مجازية تقريبا للمعنى القرآني، والتماسا لتحقيق تنزيه الله تعالى.

وقد اعتمدتْ هذه التفاسير في صرف قوله جل جلاله: (وجاء ربك والملك صفا صفا). الفجر / 22 على الظاهر باعتماد قرينة مانعة من إرادة المعنى المتبادر منها، مثل ما فعله الرازي حين قال: "واعلم أنه ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله تعالى محال، لأن كل ما كان كذلك كان جسما، والجسم يستحيل أن يكون أزليا فلا بد فيه من التأويل، وهو أن هذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ثم ذلك المضاف ما هو؟ فيه وجوه أحدها: وجاء جلائل آيات ربك لأن هذا يكون يوم القيامة، وفي ذلك اليوم تظهر العظائم وجلائل الآيات، فجعل مجيئها مجيئا له تفخيما لشأن تلك الآيات". مفاتيح الغيب: ج 31/ 158. ومثل ما بينه القنوجي بقوله: " وجاء ربك" أي جاء أمره وقضاؤه وظهرت آياته. وقيل: المعنى أنها زالت الشبه في ذلك اليوم وظهرت المعارف، وصارت ضرورية كما يزول الشك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه. وقيل: جاء قهر ربك وسلطانه وانفراده بالأمر والتدبير من دون أن يجعل إلى أحد من عباده شيئا من ذلك. وقيل: تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه. وقيل: جاء أمر ربك بالمحاسبة والجزاء". فتح البيان في مقاصد القرآن: ج 15/ 230.

- وقوله سبحانه: (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت) الانفطار: 1/ 2.

- وقوله: (حتى إذا رأوا ما يوعدون) مريم / 76.

- وقوله: (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر) القيامة: 7/ 8 / 9.

- وقوله: (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) التكوير: 1/ 2.

- وقوله: (فإذا جاءت الصاخة) عبس / 33.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015