يخضع له الفن من خلق وابتكار من غير التزام لصدق التاريخ. (والواقع أن محمدًا فنان بهذا المعنى)، ثم قال: (وعلى هذا الأساس كتب كل الرسالة من أولها إلى آخرها، وإني أرى من الواجب أن أسوق بعض أمثلة توضح مرامي كاتب هذه الرسالة وكيفية بنائها). ثم أورد الأستاذ (أحمد أمين) أمثلة منتزعة من الرسالة تشهد بما وصفها به من هذه العبارة المجملة.
كادعاء صاحب الرسالة أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي، وإنما تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادث تصويرًا فنيا، وزعمه أن القرآن يختلق بعض القصص وأن الأقدمين أخطأوا في عد القصص القرآني تاريخًا يعتمد عليه.
والمسلم الحق هو الذي يؤمن بأن القرآن كلام الله، وأنه منزه عن ذلك التصوير الفني الذي لا يعنى فيه بالواقع التاريخي، وليس قصص القرآن إلا الحقائق التاريخية تصاغ في صور بديعة من الألفاظ المنتقاه، والأساليب الرائعة.
4 - "مباحث في علوم القرآن" مناع القطان
أثر القصص القرآني في التربية والتهذيب
مما لا شك فيه أن القصة المحكمة الدقيقة تطرق المسامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، وتسترسل مع سياقها المشاعر لا تمل ولا تكل، ويرتاد العقل عناصرها فيجني من حقولها الأزاهير والثمار.
والدروس التلقينية والإلقائية تورث الملل، ولا تستطيع الناشئة أن تتابعها وتستوعب عناصرها إلا بصعوبة وشدة. وإلى أمد قصير. ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعًا، وأكثر فائدة.
والمعهود حتى في حياة الطفولة أن يميل الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة، وتعي ذاكرته ما يُروى له، فيحاكيه ويقصه.
هذه الظاهرة الفطرية النفسية ينبغي للمربين أن يفيدوا منها في مجالات التعليم، لا سيما التهذيب الديني، الذي هو لب التعليم، وقوام التوجيه فيه.
وفي القصص القرآني تربة خصبة تساعد المربين على النجاح في مهمتهم، وتمدهم بزاد تهذيبي من سيرة النبيين، وأخبار الماضين وسُنة الله في حياة المجتمعات، وأحوال الأمم. ولا تقول في ذلك إلا حقًّا وصدقًا.
ويستطيع المربي أن يصوغ القصة القرآنية بالأسلوب الذي يلائم المستوى الفكري للمتعلمين، في كل مرحلة من مراحل التعليم. وقد نجحت مجموعة القصص الديني للأستاذين "سيد قطب، والسحار" في تقديم زاد مفيد نافع لصغارنا نجاحًا معدوم النظير، كما قدم "الجارم" القصص القرآني في أسلوب أدبي بليغ أعلى مستوى، وأكثر تحليلًا وعمقًا، وحبذا لو نهج آخرون هذا النهج التربوي السديد.
4 - "مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" من مقال "أساليب الدعوة إلى الله تعالى في القرآن الكريم" للدكتور أبو المجد سيد نوفل أستاذ بجامعة الأزهر
9 - العقيدة في أسلوب القصة
والقصة جمعها قصص بكسر القاف، وهي من قصص، والفعل قص، والمصدر قصص بفتح القاف قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ …} يوسف/3, والقصص بفتح القاف إما مصدر بمعنى الاقتصاص أي نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص هذا القرآن بإيحائنا إليك والمراد بأحسن الاقتصاص أنه اقتص على أبدع طريقة وأعجب أسلوب، ألا ترى أن هذا الحديث مقتص من كتب الأولين وفي التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقاربا لاقتصاصه في القرآن.
أو بمعنى المقصوص أي نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسن لما يتضمنه من العبر والحكم والعجائب {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَاب ..} يوسف/111 ويشتق القصص من قص أثره إذا أتبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال تلا القرآن إذا قرأ، لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية.
والقصة: هي أحد أنواع النثر الفني، ونمط من أنماط الأساليب الجمالية، تقوم على عوامل كثيرة، من التشويق، والحوار، والحبكة، والوحدة الموضوعية، وحل المشكلات عن طريق تسلسل الأحداث وربط المشاهد بعضها ببعض.
والقصة عامة كلون من ألوان الأدب قديما وحديثا تقدم الحقائق المختلفة، كما تقدم إلى جانب ذلك الخيالات والمبالغات، والأساطير، وما إليها.
وقد يكون هدفها التعبير والنصح والتوجيه، كما يكون هدفها مجرد المتعة الذهنية والعاطفية وقد تتخذ وسيلة للحق أو للباطل، وللخير أو للشر.
¥