لأنَّه أوهمَ أنَّ لها دلاًّ سيِّئًا.
انظُر: {العمدة 2/ 80 - 82} لابن رشيق -ت456 - (بتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد).
ـ[منصور مهران]ــــــــ[19 - 05 - 2012, 04:47 م]ـ
بارك الله فيك، ونفع بك.
وهذا البابُ سمَّاه ابنُ الأثير (عكس الظَّاهر)، وهو عند ابن رشيقٍ القيروانيِّ (نفي الشَّيء بإيجابه)، وقد أوردَ له هذه الشَّواهدَ الشعريَّة -إضافةً إلى بيتِ امرئِ القيسِ-:
وردة1 قول زُهير:
بأرضٍ خلاءٍ لا يُسَدُّ وصيدُها * عليَّ ومعروفي بها غيرُ منكَرِ
أرادَ: ليس لها وصيدٌ فيُسَدّ.
وردة1 وقول الزُّبير بن عبد المطَّلب:
صَبَحْتُ بهم طَلْقًا يراحُ إلى النَّدى * إذا ما انتشَى لم تحتضرْهُ مفاقرُهْ
ضعيفًا بحثِّ الكأسِ قَبْضُ بنانِهِ * كليلاً على وجهِ النَّديمِ أظافِرُهْ
أرادَ أنَّه ليس له مفاقر، ولا أظافر.
وردة1 وقول أبي كبير الهذليِّ:
وعلوتُ مرتقَبًا على مرهوبةٍ * حَصَّاءَ ليس رقيبُها في مَثْملِ
عيطاءَ مُعْنِقة يكونُ أنيسها * وُرْق الحمامِ جميمُها لم يُؤكَلِ
أرادَ أنه ليس بها جميم فيؤكل.
وردة1 وقول أبي ذؤيب:
متفلقٌ أنساؤها عن قانئ * كالقرطِ صاوٍ غُبْرُه لا يُرضَعُ
أراد أنَّها لا لبن لها فيرضع.
وردة1 ثُمَّ ذكرَ أنَّ المعيبَ من هذا الباب قول كُثيِّر يرثي عزَّة:
فهلاَّ وقاكِ الموتَ مَنْ أنتِ زَيْنُهُ * ومَنْ هُوَ أَسْوَا منكِ دَلاًّ وأقبَحُ؟
لأنَّه أوهمَ أنَّ لها دلاًّ سيِّئًا.
انظُر: {العمدة 2/ 80 - 82} لابن رشيق -ت456 - (بتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد).
من تأمل هذه الشواهد عنت لي أسئلة أحتاج إلى الاستيضاح عنها:
أولا: بيت زهير (بأرض خلاء .........) ليس في شعر زهير بن أبي سلمى.
فمَن زهير هذا؟
وقد وجدت البيتَ منسوبا إلى عبيد بن وهب العبسي؛ في السيرة النبوية لابن هشام.
ثانيا: في البيت الثاني من بيتَي الزبير بن عبد المطلب (ضعيفا بحث الكأس ......) لم يتضح لي المعنى بهذه الرواية.
وأظن الشاعرَ يريد: أن أنامله لضعفها لا تمسك الكأس ولا تخمش وجه النديم.
وهو ينفي بذلك عن نفسه شُرْبَ الراح فهو لا يقع منه إمساك الكأس وأيضا لا يُظَفِّر وجه النديم.
وعلى هذا فالأقرب لصحة رواية البيت (ضعيفا بِحَبْسِ الكأس) في يده.
فهل أصبتُ؟
ثالثا: في قول أبي كبير الهذلي (وعلوت مرتقبا ....) لعلي أفهم أنَّ الأنسب أن يكون الشعر (وعلوت مرتقيا) بالياء للمناسبة بين العلوّ والارتقاء.
رابعا: في قول كثير جاء رسم كلمتين على غير ما يُعرف:
(فهلاَّ) و (دَلاًّ)
وأرى وجه الرسم: (فهلَّا) و (دَلًّا)
وبالله التوفيق.
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[19 - 05 - 2012, 08:50 م]ـ
أحسنتم أحسن الله إليكم.
ثالثا: في قول أبي كبير الهذلي (وعلوت مرتقبا ....) لعلي أفهم أنَّ الأنسب أن يكون الشعر (وعلوت مرتقيا) بالياء للمناسبة بين العلوّ والارتقاء.
هذا الذي ذهب إليه شيخنا العلامة منصور مهران مذهب مقبول لكني أرى أن الصواب هو "مرتقبا" بالباء.
ويدل على ذلك أشياء:
1 - معنى الأبيات وسياقها، لأن أبا كبير يصف ربْأَه للقوم، واعتيانَه لهم، فكان الأنسب أن يقول هنا: "مرتقِبا"، أما "مرتقِيا" فهي تشبه الحشو إذ كان معناها مفهوما من "علوت".
قال أبو كبير:
ولقد ربأت إذا الرجال تواكلوا * حم الظهيرة في اليفاع الأطول
ربأت: أي كنت ربيئة لهم، وهو الطليعة الذي يرتقب لهم.
في رأس مشرفة القذال كأنما * أطر السحاب بها بياض المجدل
وعلوت مرتقبا على مرهوبة * حصاء ليس رقيبها في مثمل
فقوله: "ربأت" في البيت الأول يرجح أن هذه "مرتقبا" بالباء.
وأظهر من ذلك قوله في البيت الثالث: "ليس رقيبها في مثمل"، فإنه لما أخبر أنه علاها مرتقبا أي رقيبا، قال بعده: وليس الرقيب الذي يعلوها في حفظ وأمن.
2 - أنه روي في البيت رواية أخرى ترجح أن هذه بالباء "مرتقبا"، فقد روي: "وعلوت مرتبِئا"، وهي رواية السكري في شرح أشعار الهذليين، والمرتبئ هو المرتقِب، فهذه الرواية كما ترى ترجح "مرتقِبا" بالباء إذ كانت في معناها.
3 - أنه جاء في شعر العرب شطر مثل هذا في لفظه بحروفه، وهو في معلقة لبيد بن ربيعة رضي الله عنه، ومن العجيب أنني هذه الأيام أعمل في مراجعتها وأقرأ شرح ابن الأنباري عليها، قال لبيد رضي الله عنه:
فعلوت مرتقَِبا على مرهوبة * حرج إلى أعلامهن قتامها
وهنا ينبغي التنبيه على أمر، وهو أن "مرتقبا" في بيت لبيد روي بفتح القاف وكسرها، والفتح رواية الأصمعي حكاها عنه ابن الأنباري، فيجوز أيضا أن تكون في بيت أبي كبير بالفتح والكسر، لكن الرواية الأخرى في بيت أبي كبير -أعني "مرتبِئا"- ترجح الكسر.
فهذا ما عندي في هذه اللفظة، وأريد أن أعود إلى موضع الشاهد الذي من أجله سيق البيت، وهو قوله: "جميمها لم يؤكل".
فظاهر كلام السكري أن هذا على ظاهره، وهو أن بها جميما أي نبتا لكنه لم يؤكل لبعدها وارتفاعها عن الناس والبهائم، فلا يكون فيها شاهد على المذهب الذي نتكلم عنه.
وأنا أرى أن الصواب ما ذهب إليه ابن رشيق، وأن المعنى: ليس بها جميم فيؤكل، فتكون شاهدا صحيحا على ما نحن فيه.
وإذا أردت الدليل البيِّن القاطع على صحة ما ذهب إليه ابن رشيق فانظر إلى قول أبي كبير في البيت الذي قبله:
حصَّاء ليس رقيبها في مثمل
فالحصَّاء هي التي لا نبات فيها، وقد ذكر ذلك السكري نفسه في شرح هذه اللفظة، فكيف يصفها أبو كبير بأنها حصَّاء لا نبت فيها، ثم يعود ويقول: بها نبات لم يؤكل؟!
وإنما أراد بقوله: "جميمها لم يؤكل" أنه ليس بها نبات فيؤكل، وهذا يلتئم مع وصفها من قبل بأنها حصَّاء.
ويلتئم أيضا مع المعروف في شعر العرب إذا وصفوا هذه المراقب التي يرتبئونها، فإنهم يصفونها بالانجراد والخلو من النبات، من ذلك قول أمية بن الأسكر الكناني:
ومرقبة نميت إلى ذراها * تُزِلُّ الطيرَ كالرأس الحليقِ
فشبهها بالرأس الحليق لانملاسها وخلوها من النبت وغيره.
وفي نفسي كلام كثير عن أشياء تشبه هذا، فلعلي أجد فسحة لإخراجه، والله أعلم.
¥